نقص الكفاءات والخبرات في بعض الاختصاصات باتت سمة عامة تعاني منها معظم القطاعات على جميع الأصعدة من إنتاجية وخدمية وثقافية وغيرها نظراً للظروف التي تداخلت فيها كل خيوط التعقيد والإرباك وضيق الحال، مادفع الكثير من الكفاءات تبحث عن مصير أفضل خارج الحدود.
لسنا هنا بموجب تفنيد الأسباب والنتائج وغياب السياسات الاستراتيجية عن إيجاد الحلول المناسبة وخاصة على الصعيد المادي فهذا الواقع بات معروفاً لدى الجميع.
وإذا ما أخذنا على سبيل المثال لا الحصر قطاع الآثار والمتاحف، نجد أن من يعمل فيه من الاختصاصيين والفنيين هم عدد قليل يكاد يعدون على الأصابع بعدما سافر من سافر وغادر من غادر.. ومن تبقى من الاختصاصيين والفنيين هم من خيرة كفاءات بلدنا في مجال الآثار والمتاحف الذين يعملون بالوثائق السورية وبالآثار.. فهل يعقل أن يكون تعويض أمين المتحف الوطني بدمشق ٤٠٠ ليرة لغاية اللحظة وهو الذي عنده كنوز تضاهي ثروات العالم ربما، ومؤتمن عليها.
ألا يقتضي التعاطي والتعامل مع الهوية السورية وحفظها بأن يكون هناك استثناءات، أليس من الواجب إعادة النظر بقانون العاملين الأساسي الموحد الذي ألغى التميز وساوى بين جميع الشرائح دون مراعاة للاختصاصات في كل مؤسسة ووزارة وفقاً لطبيعة عملها.
ألا يستوجب حفظ هذا الإرث المعرفي الغني بكل تفاصيله والذي كان في مقدمة ضحايا الحرب المتوحشة وتم استهدافه بشكل مباشر كباقي القطاعات الأخرى أن ينظر إلى خبراته البشرية بعين بصيرة.
لعله من الضروري وأكثر من الواجب أن يكافأ هؤلاء الفنيون الاختصاصيون القائمون بأمانة على حماية هذا الإرث وأن يتم التعاطي معهم بشكل مختلف مع التقدير لجميع الأدوار.. فالإتيان بخبير متخصص بالوثائق أو منقب محترف بمعارف الآثار لا يمكن تعويضه بأي موظف آخر كما في الأعمال الإدارية.
الدعم المادي بما يتطلبه جهد كل اختصاص، هو جزء مهم من الحل للحفاظ لمن تبقى من هؤلاء ..فلا شيء يعوض هؤلاء في هذه الظروف.
إن تراثنا الثقافي والمعرفي يتطلب رصد الإمكانيات والكفاءات والخبرات والمواهب لنقل شعار سورية مهد الحضارات إلى موضع التنفيذ والتطبيق.