لميس علي:
في الحلقة (13) من عمل «النار بالنار» وتحديداً مشهد المواجهة بين سكان (حي السرور) وجماعة (زكريا، طوني عيسى)، تعود الذاكرة لبعض مشاهد عمل آخر من توقيع المخرج ذاته، محمد عبد العزيز هو (شارع شيكاغو) حين كانت تتم مواجهات ما بين جماعة المتطرفين وجماعة عشاق الحياة والفن.
ولا نعلم إن كانت هي إيماءة مقصودة من المخرج كون هذه المواجهة مازالت مستمرة مهما اختلف الزمان والمكان، لطالما عين الأحداث المفصلية في هذه البقعة الجغرافية تدور ضمن نفس الدائرة ولا يهم إن كان مركزها دمشق أم بيروت.
مشهد وحيد إلى الآن اشتمل عليه (النار بالنار) يُظهر تلك المواجهة، ذلك أن مواضيعه تتسع لتشتمل تفاصيل كثيرة حياتية يومية متشعبة ومتجذرة في الحارة «المكان» التي هي بطل الحدث الأول.
(حارة/حي السرور) نسخة مصغّرة لكن مكثّفة لأشياء كثيرة، وربما كانت اختصاراً لما يسير عليه بلدان بأكملهما -سورية ولبنان- الجاران الأزليان.
فكيف يبدو الوضع حين تختلط حياة هذين الجارين، ويتشاركان العيش فعلياً وليس خارج الحدود؟
العمل يأتي في نص رامي كوسا، شيء مفاجئ لدرجة الصدمة لشدة واقعيته، وهو موطن الجاذبية الأولى التي يحصدها نصاً وإخراجاً.
وبعيداً، عن جزئية تعديل الحوارات التي كتبها كوسا، كما ذكر ضمن حسابه على الفيسبوك، يغرف العمل عموماً من مواضيع ليست أول مرة يتم التطرق إليها درامياً.
لكنها المرة الأولى التي يتم تظهيرها أمام الكاميرا بمثل هذه الواقعية، والذهاب إلى أبعد من أشياء تُذكر فقط ضمن نشرات الأخبار، أو ضمن العناوين الصحفية، أو هي متداولة في الشارع لكنها تبقى ضمن نطاق (المسكوت عنه) فنياً.
ما فعله «النار بالنار» فعل تعرية، هو أن ننظر إلى أنفسنا من خلال عيني الآخر، وأن يُنظر إلى هذا الآخر بأعيننا نحن، بمعنى: أن تتم مبادلة الرؤية/النظر، وربما تبادل الموقع.
فهل يمكن أن نصل إلى نتيجة تحسّن واقع الحال (المشترك طواعيةً أو إكراهاً)؟
ثمة الكثير من النقاط التي يثيرها العمل كتفريعات لا تلغي أهمية غايته الأولى، محاولة العيش بأقل منسوب للكره والضغينة، طمرهما عميقاً، إلى جانب هذه الغاية، يلعب العمل على شيء من الترميز، فتوظيف الثنائيات يمكن أن يُعمم ليصبح مشتملاً على دائرة أوسع وأكبر، كالعلاقة ما بين (مريم، كاريس بشار) و(سارة، زينة مكي) اللتين تتشاركان العيش في الشقة ذاتها، بينهما الكثير من الاختلافات والخلافات لكن تحتاج كل منهما الأخرى، ويمكن إسقاط الأمر على إطار أوسع ليشمل البلدين اللذين تنتمي إليه كل منهما.
وثنائيات أخرى، جاءت على سبيل رسم بعد حياتي فيه (لمسة خفيفة، touch Light) لكنها الخفّة الموجعة، كما في حالة كل من (جميل، طارق تميم) الذي تميز بحضوره المحبب، مع زوجته (قمر، ساشا دحدوح)، وتذكر ثنائيتهما بثنائيات زياد الرحباني في مسرحياته، بالإضافة إلى اسم الحي «السرور» يحيل لمسرحية «نزل السرور».
(النار بالنار) بعد أن وصل إلى أكثر من نصف حلقاته، نجح برسم لوحة حياتية فيها من تفاصيل شخصياته الشيء الكثير «المكثّف والمختزل» بالآن عينه، أليس الفن تكثيفاً واختزالاً؟.
ضمن هذه المعادلة جاءت كاميرا عبد العزيز منسجمة تماماً مع النص، الذي حتى وإن كان تم تعديل بعض حواراته، غالباً نجح بإيصال مجمل ما أراد قوله لأنه جاء بسيطاً وصريحاً، وعميقاً بالآن عينه، فلا مبالغة ولا ثرثرة لا من حيث الحوار ولا الصورة.
وفي هذه النقطة تحديداً اختزلت لقطات عدّة ركّزت على تعابير وجه كاريس بشار الكثير مما لا تستطيع الكلمات إيصاله، لاسيما في الحلقات الأولى، في أداء يحسب لها ويعيد التذكير بدورها في شخصية وردة ضمن عمل «غداً نلتقي».
بالعموم، أداء فريق العمل جاء مضبوطاً من دون أي مبالغات او إسراف، من ضمنهم يأتي حضور عابد فهد بشخصية «عمران» المختلفة عن جميع ما قدم.
التالي