مسحّر رمضان

سعد القاسم:
في واحدة من لوحات سلسلة (بقعة ضوء) التي قدمت في الأعوام الماضية يلعب الممثل الموهوب فايز قزق دور رجل حساس لا يحتمل الأصوات المزعجة، ويفقد سيطرته على أعصابه كلما مر تحت منزله (في ذلك الوقت) بائع المازوت وبوقه الشهير، أو بائع أسطوانات الغاز الذي يعلن عن بضاعته بطرقات مدوية بالمفتاح الإنكليزي على أسطوانة غاز، أو أي من الباعة الذين يستخدمون في النداء على ما يبيعون مكبرات صوت تكاد تماثل في قدرتها مثيلاتها في المدارس..ولأن الشركاء في الإزعاج لا يتوقفون عن الحركة فقد حولوا حياة الرجل العائلية إلى جحيم، لكننا في مشهد تال نجده يتحدث بارتياح عن التحول الذي حصل فأراح أعصابه وأعصاب جيرانه، فقد استبدل الباعة الجوالون أساليبهم المزعجة في الإعلان عن حضورهم، بأسلوب حضاري راق، وبدل الأبواق الصاخبة ومكبرات الصوت، حل عازفون لطفاء يعزفون موسيقا هادئة، وسرعان ما سنكتشف أن هذا المشهد هو مجرد حلم لم يتحقق يحدث به الرجل شركاءه في مشفى الأمراض العقلية الذي أدخل إليه بعد فورة غضب توجها بإلقائه أصيص زهور من شرفة منزله على بائع متجول لم يحتمل إزعاجه..
وبقدر ما في اللوحة المذكورة من خيال، بقدر ما فيها من الحقيقة، فمن المنطقي اعتبار رجل ما بأنه فاقد لقدراته العقلية فيما إذا أستاء من الأصوات المزعجة، وهي التي صارت شريكنا اليومي منذ الصباح الباكر، وحتى الصباح الباكر، تكاد لا توفر لحظة واحدة من الليل أو النهار، وتقدم نفسها بأشكال شتى بدءاً من أبواق السيارات التي تستخدم بمناسبة ودونها، مروراً ب (صواريخ) قص الحجر والرخام التي تستخدم بين البيوت مالئة إياها بالضجيج، والغبار، وصولاً إلى الاستخدامات المتنوعة لمكبرات الصوت الجبارة، في الإذاعات المدرسية، والمناسبات العائلية، والحفلات الفنية ..
في رمضان الكريم يضاف إلى ما سبق المسحّر، ذلك الفولكلور الذي انبعث بقوة بعد سلسلة المسلسلات الشامية ذات الحنين القوي إلى ذكريات الماضي الجميلة. لكن ذلك التراث الذي أحياه (أبو غالب) وزملاؤه قد انتزع في واقع الأمر من محيطه الطبيعي، فالوقت تغير، والناس كذلك، وقد أصبح من الماضي البعيد ذلك الزمان الذي كان فيه الناس يحتاجون إلى من يوقظهم لتناول سحورهم حين لم تكن لديهم ساعات تنبيه، أو أجهزة الهاتف المحمول، أما اليوم فمع وفرة هذه الأشياء يصبح المسحّر إضافة لا لزوم لها، وربما أكثر من ذلك إذا نظرنا إلى الأمر من زاويته الواقعية، لا من زاوية الحنين إلى الماضي، ذلك أن المشهد الرمضاني ل(باب الحارة) لا يشبه ما يحصل اليوم، وإذا كان بعض رجال باب الحارة قد اعتدوا بالضرب على المسحّر لأنه لم يوقظهم، فإن هناك اليوم من يرغب بضرب المسحّر لأنه أيقظه من النوم بصراخه الشنيع وقرعه العدواني على طبلته. ذلك لأن هناك الكثير ممن اعتادوا تناول سحورهم في وقت مبكر ليحصلوا على ساعات نوم كافية قبل حلول الصباح وموعد عملهم، وهناك الكثير من المرضى الذين هم بحاجة إلى الراحة والنوم المستقر، وسواهم كثيرون لهم توقيتهم الخاص في النوم والاستيقاظ المختلف عن توقيت المسحّر. وفي الأحياء الحديثة صار هناك أكثر من مسحّر يتنازعون النفوذ على المنطقة الواحدة، فإذا اجتمعوا معاً تنافسوا بإظهار من الأكثر مقدرة على إصدار الصوت الأقوى، ويصبح سكان المكان الحكم المغلوب على أمره. أما إذا اقترب الشهر الفضيل من نهايته فيتضاعف بقدرة قادر عدد المسحرين ويقرع أبواب البيوت كل فينة وأخرى (متعيش) بلباس فولكلوري وطبلة طالباً الإكرامية..
الإكرامية هي بيت القصيد، وأحدهم طلب من مسحّر حارته ألا يخرج من بيته حتى يوم الوقفة واعداً مقابل ذلك أن يضمن له الإكرامية من أهل الحارة جميعاَ. وقد وجد في هذا حلاً وسطاَ طالما أنه لا توجد إجراءات تمنع أياً كان من أن يحمل طبلة ويتجول قارعاً بها بين بيوت الناس المستغرقين في النوم. كما لا توجد إجراءات تمنع إزعاج الناس بالأصوات الصاخبة في باقي أيام السنة.

آخر الأخبار
عبد الكافي كيال : صعوبات تعرقل إخماد حرائق جبل التركمان... واستنفار شامل دمشق تؤكد التزامها بإنهاء ملف الأسلحة الكيميائية.. حضور سوري لافت في لاهاي دمشق تنفي ما تداولته وسائل إعلام حول "تهديدات دبلوماسية" بحق لبنان من جديد .. محافظة دمشق تفعل لجان السكن البديل.. خطوات جديدة لتطبيق المرسوم 66 وتعويض أصحاب الحقوق رئيس مجلس مدينة كسب للثورة : البلدة  آمنة والمعبر لم يغلق إلا ساعة واحدة . إخماد حريقين في مشتى الحلو التهما  خمسة دونمات ونص من الأراضي الزراعية وزير الطوارئ :  نكسب الأرض تدريجياً في معركة إخماد الحرائق.. والغابات لم تُحسم بعد وفد من اتحاد الغرف التجارية وبورصات السلع التركي يلتقي الرئيس "الشرع" في دمشق الخضراء التي فتحت ذراعيها للسوريين.. إدلب خيار المهجرين الأول للعودة الآمنة باراك: لا تقدم في مفاوضات الحكومة السورية مع "قسد" و واشنطن تدعم دمجها سلمياً من  ألم النزوح إلى مسار التفوق العلمي..  عبد الرحمن عثمان خطّ اسمه في جامعات طب ألمانيا علما سوريا جيليك: نزع السلاح لا يقتصر على العراق.. يجب إنهاء وجود قسد  في سوريا رفع كفاءة الكوادر وتطوير الأداء الدعوي بالقنيطرة بين الصياغة والصرافة .. ازدواجية عمل محظورة وتلويح بالعقوبات نزهة الروح في ظلال الذاكرة.. السيران الدمشقي بنكهة الشاي على الحطب "تربية طرطوس": كامل الجاهزية لاستقبال امتحانات الشهادة الثانوية الغابات تحترق... والشعب يتّحد.. التفاف شعبي واسع لمواجهة حرائق الساحل وزير الطوارئ ومحافظ اللاذقية يستقبلان فرق مؤازرة من الحسكة والرقة ودير الزور سوريا تسعى لاستثمار اللحظة الراهنة وبناء شراكات استراتيجية تعكس تطلعات الشعب الاكتتاب على ١٢١ مقسماً جديداً في حسياء الصناعية