ربما الكثير لا يعرف أن سورية كانت قبل عقد من الزمان تحتل مرتبة متقدمة على صعيد الدول التي تمتلك احتياطياً من القمح والحبوب على مستوى العالم، وهذا عائد لوجود منظومة متكاملة من البنى التحتية موجودة ومنتشرة على مستوى سورية بدءاً من الصوامع ومروراً بالمطاحن وليس انتهاء بالمخابز المتوضعة بشكل مدروس في جميع المحافظات والمدن والقرى.
هذا الأمر منح الدولة السورية قوة على الصعيد السياسي والدولي، كما منحها الخيار لعدم الخضوع لأي إملاء دولي حتى من الولايات المتحدة الأمريكية التي تنبهت لهذا الأمر منذ الحرب على العراق عام ٢٠٠٣ ومحاولاتها آنذاك لفرض الهيمنة والسطوة حتى بالتخويف والتهديد والقصة معروفة.
هذا الواقع جعل هذه المنظومة هدفاً وأولوية للاستهداف والتخريب خلال الحرب على سورية وفعلاً المحاولات المستمرة ومارافقها من إجراءات متممة أعطت نتائجها لتتحول سورية من بلد يمتلك احتياطياً كبيراً من القمح ومصدر إلى بلد مستورد يعاني الأمرين لتأمين حاجته الدورية إن لم نقل اليومية من الطحين وما يعنيه ذلك من صعوبات وتكاليف باهظة للقطع الأجنبي.
ثمة إجراءات حقيقية اتخذت لترميم المنظومة كان آخرها معمل الخميرة الذي أصبح بالخدمة ويلبي جزءاً كبيراً من حاجة القطر، ولكن هناك خطوة أساسية لا يتم الأمر إلا بضمانها تتمثل في شراء القمح والشعير من الفلاحين علماً أن إنتاج القطر لا بأس فيه، ويسد حاجة كبيرة ولكن بتحقق شرط استلام كامل المحصول.
مجلس الوزراء حدد خلال جلسته الأخيرة سعر شراء محصولي القمح والشعير من الفلاحين للموسم الزراعي 2023 بواقع 2300 ليرة سورية للكيلو غرام الواحد من القمح، و2000 ليرة سورية للكيلو غرام الواحد من الشعير.
وجاء تحديد هذا السعر…حسب الخبر الرسمي… نتيجة حساب دقيق لتكلفة الإنتاج الحقيقية في ظل الدعم المقدم للقطاع الزراعي من بذار ومحروقات وأسمدة، وبما يضمن هامش ربح للفلاح بنسبة 35 بالمئة لكل كيلو غرام، وذلك بهدف التشجيع على تسليم المحصول واستجرار أكبر كمية ممكنة من الإنتاج.
كما وافق المجلس على حصر منح التراخيص للمنشآت الصناعية بكل أنواعها داخل المدن والمناطق الصناعية، وطلب من الجهات المعنية دراسة واقع المطاحن المتوقفة عن العمل وإعداد مقترحات قابلة للتنفيذ للتعاطي مع هذه المطاحن لناحية إعادة تشغيلها وإدخالها بالخدمة.
ما أن أعلن عن الخبر حتى بدأت الآراء تؤكد أن السعر غير مشجع للفلاحين ولا يحقق قيمة مضافة لهم حسب ما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي لمداخلات وآراء ووجهات نظر ربما تكون واقعية وربما الأمر الذي يستدعي تدخلاً سريعاً من الجهات المعنية للوقوف على حقيقة الأمر وفتح حوار ونقاش شفاف وواقعي بين وزارة الزراعة واتحاد الفلاحين لتحديد الموقف بدقة واتخاذ الإجراءات التي تضمن استلام كامل المحصول بعيداً عن التنظير والتذاكي مع وجود مصلحة وطنية تدعو إلى إتمام الأمر مع الإشارة إلى أن شعور الفلاحين بجدوى السعر المقدم من الحكومة يحمل في طياته أيضاً مصلحة وطنية.
السابق
التالي