الثورة – ديب علي حسن:
لا يختلف اثنان أننا نعيش طفرات التقدم الحضاري بمعناه التقني وليس الإنساني فالحضارة لا تعني أننا أصبحنا أكثر إنسانية ومن هنا كان السؤال الذي تم طرحه منذ فترة بعيدة: هل جعل التقدم الصناعي الإنسان أكثر سعادة؟.
في الإجابة الأولية : نعم يجب أن يكون ذلك ولا سيما أن التقدم هذا يجب أن يكون من أجل الإنسان ورفاهيته وصون كرامته..
لكن الواقع غير ذلك تماماً التقدم الحضاري بمعناه التقني والصناعي أدى إلى الاستلاب الفكري والحضاري والاغتراب المجتمعي والثقافي بل والمعرفي ..فالمعرفة غير التقدم التقني .
ويشير عالم الاجتماع السوري حليم بركات وقد توقف عند رأي فرويد في ذلك بكتابه (الاغتراب في الثقافة العربية …) إذ يرى فرويد أن سبب تعاسة الإنسان ثلاثة مصادر رئيسة هي : تفوق الطبيعة وضعف الجسد والحضارة المتحكمة في العلاقات الاجتماعية في العائلة والدولة والمجتمع ..وقد اهتم فرويد بالدرجة الأولى بالمصدر الثالث أي الحضارة معتبراً إياها المسؤولة إلى حد بعيد عن تعاسة الإنسان …وسبب ذلك برأيه: أن متطلبات الحضارة تقتضي أن يتنكر الفرد لرغباته فيكبتها أو يضحي بها.
إن السعادة هدف مهم غير الهدف الأهم هو بناء المجتمع من هنا فإن الحضارة تضحي بسعادة الإنسان أو تضعها في المقام الثاني تجاه مهماتها الأساسية..إن الثمن الذي يدفعه الإنسان من أجل تقدم الحضارة يأتي على حساب السعادة.
وخلاصة رأي فرويد ( إذا كانت الحضارة تفرض مثل هذه التضحيات الكبرى ليس فقط بالنسبة إلى النزعة الجنسية بل بالنسبة إلى العدوانية أيضاً فإننا نستطيع أن نفهم بشكل أفضل لماذا يصعب على الإنسان أن يكون سعيداً في ظل هذه الحضارة ..إن الإنسان المتحضر يستبدل نصيباً من احتمالات نيله السعادة بنصيب من الأمن ).. وقريباً من هذا يرى صاحب كتاب ( الحضارة على مفترق الطرق ) فان ريشته إذ يقول 🙁 في تشابك التكتلات الحضرية وعبودية التسلسل الرتبوي الصناعي يجد الإنسان في ما صنعت يداه قوة مستقلة ومشيأة ..ويتولاه في صميم ثمرات التعاون المتبادل داخل الجماعة الإنسانية شعور بالعزلة وإحساس متناقض بإنسانيته ..فالشروط التي أوجدها فيها الإنسان لعمله الخاص تصبح قوة غريبة لا تتعلق بإرادة وعمل الأفراد..ولكنها تسوسهم على العكس وتتحكم بهم وتضيع شروط الحياة الاجتماعية ..).
وهنا علينا أن نشير إلى المفكر السوري الراحل شاكر مصطفى قد ناقش هذا في كتابه المهم جداً ( حضارة الطين ) إذ يرى أن العلم قد جعل منا أنصاف آلهة قبل أن نستحق أن نكون بشراً).
ويتوقف أحمد حيدر في كتابه (الخروج من الاستلاب ) عند هذه الرؤى ويقدم طروحات للخروج من الاستلاب الحضاري والتقني الذي يزداد كل يوم.