أديب مخزوم:
افتتح في قاعة جوليا آرت، معرض الفنان سبهان آدم، متضمناً عدة لوحات بقياسات جدارية، تركزت موضوعاتها حول العناصر الإنسانية والحيوانية المؤسلبة، التي يقدمها مند بداياته، بجرأة وعفوية قل نظيرها في معارض الفنانين، فاللوحة هنا (إلى جانب دلالاتها القصصية والتاريخية والتشكيلية والتقنية والساخرة) تشكل مدخلاً لتجليات التعبير عن الحالة الوجدانية المرافقة للنص التشكيلي الارتجالي، القادر على استقطاب تعابيرالعناصر بخطوطها البدائية، وإطلاق صيحات الجنون الإنساني في كل العصور والأزمنة، فهو يعيد إيقاعات وتنويعات الأجساد والوجوه وغيرها وخطوطها وألوانها إلى حالاتها البدائية الأولى، ليعبّر من خلالها (عن الخراب الداخلي) الذي يعيشه الإنسان المعاصر في المدن الاستهلاكية المسكونة برعب الفناء الوجودي النووي.
هكذا تظهر تنويعات الوجوه والأشكال كحلقات متتابعة تعكس أحاسيس الدمار الداخلي والخارجي معاً، عبر هواجس تشكيلية حديثة وتصورات إسطورية تعبر عن حالات القلق والاضطراب والاختناق والموت فالاقتراب من لوحات سبهان آدم يعني الاقتراب من منهج حياته، من انفعاله وصدقه وقلقه ولا مبالاته، فهو عفوي وصريح ومزاجي، هدفه الانفلات في التعبير عن ذاته، وحالاته الانفعالية المتبدلة والمتقلبة، فأشكاله الأسطورية تصدم منذ البداية، ليس فقط المشاهد العادي، بل تصدم الفنانين والنقاد والمتابعين، لكونه يخرج عن كل قيد، وكل ما هو متعارف عليه من جماليات، إنها صدمة اللوحة وصدمة الحداثة وصدمة الواقع.
وفي تلك الأعمال يسلط الضوء وبطريقة غير مباشرة على بعض المظاهرالسلبية، التي تقع داخل الدائرة الحياتية العامة، من تعبيرات وتجليات إنسانية وسياسية واجتماعية، فالوجوه الانسانية المؤسلبة التي يقدمها تدفع إلى تساؤلات أساسية، وتنقل المشاهد من التأمل إلى التأويل، للوصول في النهاية إلى السخرية من الحالة التي وصل إليها الإنسان المعاصرالمقنع خلف المظاهر والشكليات، ومع تلك السخرية التي حملها إلينا من العالم المحيط به محلياً وعربياً وعالمياً، لابد من الإشارة إلى تلك الصدمة المؤلمة الممزوجة بالسخرية اللاذعة، فالحوار في لوحاته انتقادي ساخر محمل بمرارة الواقع بتناقضاته وبمفارقاته الحادة.
والخصوصية بارزة في لوحاته، فالشخص على سبيل المثال يخرجه في إطار خاص، ولعل نقاط الارتكاز التي ينطلق منها تجعلنا نشعر بمناخية لابد من الإحساس بوجودها في كل لوحة، تتأتى من دلالاتها وأشكالها المنفتحة على أداء مسحوب من الأحاسيس الداخلية التي تحول اللوحة إلى صياغة مؤسلبة للإنسان تعتمد على حضورالفكرة الاحتجاجية السلبية من الواقع، فهو يميل إلى التقاط حالات المفارقة الموجودة في الواقع، ويعمل قبل أي شيء على (حيونة الإنسان وأنسنة الحيوان)، ورغم موقفه السلبي من الواقع المتأزم، فهو يترك للمشاهد فسحة أمل بقدوم حياة جديدة، حين يجعل المشاهد يستغرق في ابتسامة ساخرة تشكل استراحة في أجواء التعب والهم والبؤس والمعاناة.
وسبهان آدم كثيراً ما يستخدم في لوحاته اللمسات اللونية الزاهية، التي يستعين من خلالها بالكثير من الإشارات والرموز الواقعية، وأحياناً يوشح تلك الأشكال بخطوط متقطعة ورفيعة، تعتمد على حركة عفوية تحيط بأقسام من الأشكال أو تخرج عن طورها فتتحول إلى تخطيطات حرة وطيعة في مساحة اللوحة.
وهذا يعني أنه يحقق رغبة بإضافة الحركة والحيوية العاطفية إلى لوحاته لإبراز عنف اللمسة الوحشية (نسبة إلى المدرسة الوحشية في الرسم) والكشف في آن عن عنف الصدمة البصرية في التأليف التكويني والتلويني ففي لوحاته يطمح بالوصول إلى تجسيد مفارقات الحياة الإنسانية المعاصرة، والتعبيرعن أقصى الحالات الانفعالية التي يجسدها في حركة الأشكال والرموز، التي تطل في لوحاته كحركة وجدانية تعكس الصدى اللوني الفطري لتموجات الحالة الداخلية التي يعيشها أثناء إنجاز لوحته.
وإذا كانت اللونية العامة تتجه إلى الحركة الانفعالية البعيدة عن السكونية، فهذا يعني أننا نستطيع وبسهولة ملاحظة تلك الحساسية في معالجة تباينات الألوان وتركيبها وحركتها عموماً الحاضرة دائماً داخل إطار اللوحة، بل أكثر من ذلك نجده يضيف إلى هذه الدرامية ألواناً متوهجة وصارخة أحياناً، وهذا يزيد من حالات ارتباطه بتوجهات المدرسة الوحشية وأتباعها من الوحوش الجدد.
ومن الناحية التقنية ينشر سبهان آدم اللون أحياناً بطريقة انفعالية على سطح اللوحة، كما يجعله في أحيان كثيرة يأخذ مجرى السيلان الحر من أعلى اللوحة إلى أسفلها، وقد تتحول اللوحة إلى مجرد اختصارات لأشكال أسطورية موضوعة على سطح الكانفاس، بإيقاعات اللون وبحركات الخطوط السوداء المتزايدة التلقائية والفطرية والبدائي.
السابق