الملحق الثقافي- د. ياسر صَيرفي:
لاشكَّ في أنّنا في سباقِنا مع الزّمنِ، وتماشيًا مع ما يحقّقُه الإنسانُ يوماً إثرَ يومٍ من تقدُّمٍ في العلومِ والتكنولوجيا نعاني من أخطارٍ وتحدّياتٍ تمسُّ القيمَ القديمةَ التي تربَّيْنا عليها، ولعلّ أشدَّ تلك التحدّياتِ «غَزْوُ الكتابِ الإلكترونيِّ» فقد باتَ بديلاً من الكتابَ الورقيَّ؛ ولا سيّما أنّ الجيلَ الذي تربَّى على يدِ الماردِ الرّقميِّ باتَ يجزمُ بتفوُّقِ الكتبِ الإلكترونيّةِ على نظيرتِها الورقيّةِ، ونجزمُ أنَّ هذه النظرةَ مجافيةٌ للحقيقةِ وجوهرِها، «فنحنُ إذْ نرسمُ الوردةَ نعجزُ عن استشعارِ عبقِها»، فالكتابُ وردةُ العصرِ سالفِه وحاضرِه ومستقبلِه، وإذا خُضْنا في مضمارِ التفاضلِ بينَ الكتابِ الورقيِّ ونظيرِه الإلكترونيِّ نجدُ الفوارقَ جَمَّةً، وأهمُّها سهولةُ التركيزِ، وشدّةُ الذاكرةِ التي ترافقُ قراءةَ الكتابِ الذي هو خيرُ جليسٍ، فهو يمنحُنا الصبرَ والهدوءَ وصفاءَ الذّهنِ، وهي مفاتيحُ الفهمِ والإتقانِ لأيِّ قارئٍ، فضلاً عن كونه يجعلُنا في إحاطةٍ كاملةٍ لِما يُقرأ، فالعينُ ترقبُ الكتابَ واليدُ تحتويه، وهو خيرُ مَن يصونُ حقوقُ التأليفِ ودورَ النشرِ بعيداً عمّا يصيبُها من تشويهٍ وضياعٍ، وهو المرجعُ الذي لا يندثرُ، ولا سيّما إذا اقتنيناه في مكتبتِنا الخاصّةِ، فوجوده المادِّيُّ يستحضرُ معَه بالضرورةِ الإحاطةَ بمحتواه وفوائدِه المعنويّةِ بعيداً عن سلطةِ الكهرباءِ وانقطاعِ الشَّابكةِ اللذين يفرضان ذاتَهما فيما يخصُّ الكتبَ الإلكترونيّةَ.
وإن كانَ الكتابُ الإلكترونيُّ قد فرضَ نفسَه في ساحاتِ القراءةِ والأبحاثِ، إلّا أنَّ النّهّمَ للأصالةِ يفرضُ نفسَه ليعودَ بالنفسِ البشريّةِ إلى ما تتوقُ إليه من عُكوفٍ على الكتابِ الورقيِّ، الذي يُعدُّ إرثاً وتقليداً وثقافةً ومِحراباً حقيقيّاً للعلمِ، فعلينا أن نربِّيَ أبناءَنا على تغذيةِ العقولِ عن طريقِ الكتبِ الورقيّةِ التي ينبغي أن تملأَ مكتباتِنا البيتيّةَ شكلاً وعملاً، فمَنْ شبَّ على شيءٍ شابَ عليه، وبذلك نقضي على الخُمولِ والعقليّةِ الرُّوبوتيّةِ التي أصابَتْ كثيراً من العقولِ في بحثِها عن المعلومةِ الجاهزةِ بعيداً عن متعةِ العملِ اليدويِّ، وهنا صرخةُ استجداءٍ لأصحابِ القرارِ والمسؤوليةِ في أن يدعموا الكتابَ بعيداً عن أيِّ ظرفٍ، وعندَها سيعودُ بريقه بما يحملُه للذهنِ من صفاءٍ ونقاء.
العدد 1143 – 9-5-2023