الثورة – جدة- بقلم رئيس التحرير أحمد حمادة:
ساعات قليلة ويبدأ الرؤساء والملوك والأمراء العرب ورؤساء الحكومات قمتهم العربية في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.
ومن تابع تحضيرات القمة وسار في شوارع المدينة الهادئة على ساحل البحر الأحمر واستمع لأحاديث الناس وانطباعاتهم هناك، من مقيمين وعرب، ومن دقق بنقاشات الخبراء في أروقة القاعات الذين تداعوا إليها منذ أسبوع للتحضير لقرارات القمة، ومن حضر حوارات الإعلاميين العرب في المركز الإعلامي هناك أدرك أنّ ثمة جديداً في هذه القمة، يختلف عن سابقاتها، ويشي بأن ساعة العرب لا بدّ أن تبدأ بالدوران بدقات جديدة ونبض يخدم مصالحهم ويحقق تطلعاتهم.
ليس الأمر مجرد أمنيات وأحلام، بل لأن المقدمات توحي بالنتائج، فثمة إجماع بين كل هؤلاء يؤكد أن المتغيرات الخطيرة التي تضرب في شرق العالم وغربه وشماله وجنوبه دفعت الحكومات العربية لاتخاذ مواقف تدلل على ضرورة أن يكون قرارهم بيدهم، وأن تكون خطواتهم على الأرض تجاري بل تجابه تلك المتغيرات وعواصفها التي تنذر بحدودها الدنيا ضرب الأمن الغذائي، وبحدودها العليا ضرب الأمن القومي بالصميم، وما يجري في أكثر من ساحة خير شاهد.
كل المؤشرات تدل على أن معظم الزعماء العرب حسموا خياراتهم نحو محاولة تعبيد طرق بلدانهم نحو واقع جديد، يأخذها باتجاه بوصلة العمل العربي المشترك والتضامن العربي وتمتين العلاقات الثنائية، لأن ما يجري في عالم اليوم يفرض عليهم ذلك، ولأن مصلحتهم المشتركة تفرض عليهم ذلك.
ولعل ما أعلنته المملكة العربية السعودية الشقيقة، قبيل القمة وخلالها، وحرصها على ترسيخ هذه العناوين هو الشاهد، انطلاقاً من رئاستها القمة من ناحية، ولدورها العربي وثقلها الإقليمي والدولي من ناحية، وهو ما يتقاطع تماماً مع السياسة السورية الداعية للنظر نحو المستقبل برؤية ثاقبة وعيون مفتوحة، وبموقف عربي موحد، وانطلاقاً من الدور السوري المحوري في المنطقة الذي أكدته كلمات الوفود المرحبة بعودة دمشق إلى الجامعة والمتفائلة بعمل عربي مختلف بوجودها.
من هنا من جدة، من أروقة قاعات القمة العربية، من المركز الإعلامي، تسير بنا بنات أفكارنا نحو التفاؤل بغد عربي أفضل، يؤمن بضرورة الانفتاح نحو العالم، ويوازن بين غربه وشرقه، والبوصلة هي المصلحة أولاً كي نتمكن من حجز مقعد لنا في النظام الدولي الجديد، الذي تصنعه متغيرات وأحداث اليوم.
ولعل أكثر ما يدعو إلى التفاؤل أن كل من قدم خبرته في أثناء صياغة مشاريع القرارات التي رفعت للرؤساء والملوك والأمراء العرب لإقرارها كانوا يرددون عبارة واحدة: وهي “حكوماتنا لديها الرغبة ليس بطرح القضايا الملحة ووضع الاستراتيجيات والحلول والمقترحات لها فحسب، بل لتنفيذها ومتابعة خطواتها”، والكل يجزم بأنه لا بدّ من نهضة شاملة تضع في حسبانها البعد الاجتماعي أولاً، وحال يحسن معيشة المواطن العربي أولاً، ويحافظ على كرامته أولاً، وفرص عمل للشباب العربي أولاً، تمنع هجرتهم وضياعهم، واستثمار وتكامل اقتصادي عربي وسوق مشتركة وتنمية أولاً، تنعكس على الشعوب العربية وتضمن أمنها ورفاه حاضرها ومستقبلها.
اليوم ثمة فرصة كبيرة للعرب كي يطوّعوا كل التطورات لمصلحتهم، ليحجزوا مكاناً لهم بين الأمم، ويبنوا مستقبلاً مزدهراً لأجيالهم من خلال التشبيك مع القوى العالمية المحبة للسلام كالصين، ولاسيما على مستوى الاقتصاد.
ولعل تصفير مشاكل المنطقة يبدأ من هنا، من وحدة العرب وتضامنهم ومنع التدخل الخارجي بشؤونهم، من رسم كل خطواتهم بيدهم، من لجم كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يعربد يومياً في سماء قدسهم، من عدم السماح للقوى الطامعة بثرواتهم، من وضع العقبات والعراقيل والعصي في عجلة مستقبلهم.