الفكرة الاستعمارية متأصلة في الدولة التي مارستها عبر تاريخها، ومهما تقادم الزمن تطفو من حين لآخر تلك الفكرة حسب الظروف والمناسبات، خصوصاً تلك التي تشكل عامل قوة للدول التي درج البغي عليها حقبة وهوى في النهاية وهوت معه تلك الدول المستعمرة إلى غير رجعة.
والعجيب هو أن نجد نحن الذين نعتقد اعتقاداً جازماً أن سلوكنا هو سلوك حضاري وتحرك نحو السلام والتصالح ولم الشمل وترسيخ فكر الأخوة والصداقة والتعاون، كثوابت متأصلة في واقعنا وسلوكنا، وأننا لا زلنا نملك الحجج والتاريخ على وجودنا المادي والحضاري، ومع ذلك نجد من يحاول العبث بكل ذلك وتصويب النيران على أجواء السلام والتوافق بنشر السموم الاستعمارية والتصريحات التي يستشف منها الغيظ من خطوات التقدم الإيجابية التي تسير عليها المنطقة.
هي آفة الاستعمار التي تحاول نهش العافية من جسد المنطقة والعالم، وتعمل على بث المرض وإعادة عقارب الساعة للوراء صباح مساء، وهو ما ينبغي أن نحاربه، نحن الواقعون في إطار سمومها، فلا نرى غير رؤيتنا الصائبة، وليس ما يريد أن يرينا إياه غيرنا، فنحن أصحاب البصر والبصيرة، وهم وتصريحاتهم العميان عن الحقيقة والمتخلفون عن حركة الواقع والتاريخ.
هذا ما أكدته سورية في الرد على تصريحات فرنسا وأحلامها بإعادة موروثات حقبة الاستعمار والهيمنة على الشعوب، تلك الحقبة والأفكار التي لم تعد صالحة لعالم اليوم، وعلى الدبلوماسية الفرنسية مراجعة تصريحاتها ومواقفها المنفصلة عن الواقع.
الهستيريا الفرنسية تجاه جريان نسغ القوة في علاقات سورية بمحيطها العربي الحاضرة فيه دائماً، واحتفاء العرب بها في قمة جدة يكشف نوايا الغرب الحاقدة على كل تقدم تحرزه سورية للخروج من أزمتها وبلوغ مرحلة العافية والتعافي.
سورية تابعت مؤخراً الهستيريا والمواقف المعزولة والمنفصلة عن الواقع للدبلوماسية الفرنسية التي فقدت صوابها بعد القرارات التاريخية التي اتخذتها القمة العربية في المملكة العربية السعودية تجاه سورية، وردت على التصريحات العدائية والرد كان واضحاً وشافياً بأن فرنسا التي فشلت هي وأدواتها الإرهابية في تحقيق أهدافها في سورية، أصابها العمى وعدم الاعتراف بالحقائق والتغيرات الجارية على الساحتين العربية والإقليمية وعلى الساحة الدولية.
لا شك أن أحلام فرنسا بإعادة موروثات حقبة الاستعمار والهيمنة على الشعوب ومقدراتها وثرواتها لم تعد صالحة لعالم اليوم، وهو أمر يجب أن يدركه أصحاب القرار في باريس، فالعالم يتغير، وفكرة القطب المهيمن سقطت وحقبة البغي الاستعماري ولت واندثرت، وليس بيد الغرب سوى سلاح الضغط الاقتصادي القسري الذي يعري إنسانيته ويكشف قبح تفكيره القائم على التسلط والرجعية، والأفضل أن تراجع الدبلوماسية الفرنسية وأخواتها الغربيات مواقفها، تجاه سورية والمنطقة لأن الشعوب في مختلف أنحاء العالم تعي أن عهد الغرب الاستعماري وأفكاره الزائفة حول تحضر الشعوب انتهت إلى غير رجعة.
منهل إبراهيم