ثمة نوعٌ من الوحدات، توصف بأنها ثقافية، تنتقل من شخص لآخر، ربما كانت: فكرة، صورة، سلوكاً، أسلوباً، نكتة، موضة.. وغيرها.
وهذا النوع من الوحدات “الوحدة” ابتكره عالم الأحياء التطوري “ريتشارد دوكينز” في كتابه (الجين الأناني) وأطلق عليه مسمّى (ميم).
يشبه “الميم” بعمله (الجين، Gene). فكما تنتقل الجينات بيولوجياً تنتقل (الميمات/ الميمز) ثقافياً من شخص لآخر.
تخيّلوا سرعة انتقال هذه “الجينات الثقافية” في زمن الإنترنت متحولةً إلى محتوى فائق الانتشار، مهما كانت ماهيتها: صورة، مقطع فيديو قصير، “إيموجي”، أو “تريند”، لتعبّر عن وظيفتها في الفكاهة أو النقد الاجتماعي، السياسي، والثقافي.
ولا مانع من إدخال تعديلات عليها في كل مرّة يتمّ فيها تناقلها.. ولهذا فإن احتمال تحوّلها إلى أحد الفنون المعاصرة أصبح واقعاً معاشاً، فأخذت بعض الجامعات والمتاحف تعتبر أن “الميمز” وثائق ثقافية حتى بصيغتها (الرقمية) تستحق الدراسة والعرض.
اللافت في (الميم، الجين الثقافي) احتواؤه على هامش من إمكانية إضافة بصمة مختلفة في كل مرة يتم تداوله فيها من جديد متبدّلاً بهيئة أخرى، وكأننا أمام “جينات ثقافية” قابلة للتعديل والنمو دون توقف.. وفي عمقها تختزن آلية تواصل بصرية رقمية سريعة ما بين الناس، تعكس الكيفية التي صارت تُنتقد بواسطتها “المعرفة”، التي من أهم ميزاتها: (التكرار، المشاركة، والتعديل)..
ماذا لو كان بوسعنا أن نورّث الأفكار والقيم كما نورّث لون العيون أو فصيلة الدم..؟
هل سرّ قوة “الميمز” أنها غير وراثية؟
فهي عابرة للحدود والزمن، وتنتشر أفقياً وليس عمودياً فقط (يعني بين الأقران، وأيضاً من الآباء للأبناء).