في قمة الصراع العالمي بين الشرق والغرب، الشرق الذي تمثله روسيا والصين والغرب الذي تقوده الولايات المتحدة، تبرز مجموعة دول البريكس كقوة اقتصادية وسياسية ناشئة قادرة على قيادة التحولات الدولية ورسم مستقبل العالم للعقود الخمسة القادمة.
خلال اجتماع وزراء خارجية دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، في مدينة كيب تاون -جنوب أفريقيا مطلع الشهر الجاري تحضيراً لقمة القادة التي تستضيفها جوهانسبورغ في آب القادم، تم التوافق على مفهوم توسيع المجموعة الأمر الذي سيفتح الباب لانضمام أكثر من عشرين دولة تتمتع بثقل سياسي واقتصادي بارز.
فعقب الاجتماع الوزاري للبريكس جرى لقاء خاص مع “أصدقاء بريكس” بحضور وزراء خارجية 13 دولة من جنوب الكرة الأرضية هي إيران والسعودية والإمارات وكوبا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجزر القمر والغابون وكازاخستان التي أرسلت ممثلين إلى كيب تاون للمشاركة في اللقاء، فيما شاركت كل من مصر والأرجنتين وبنغلادش وغينيا بيساو وإندونيسيا افتراضياً عن بعد.
وترغب هذه الدول بالانضمام إلى المجموعة وقدمت طلبات رسمية بذلك، فيما توجد مجموعة دول أخرى أعربت عن رغبتها بالانضمام، مثل الجزائر والبحرين والسنغال وسورية والسودان، وتونس وتركيا، وأفغانستان، وبيلاروس، وفنزويلا وزيمبابوي، والمكسيك ونيجيريا ونيكاراغوا، وباكستان وتايلاند وأوروغواي، بحسب البريكس.
وتنظر الولايات المتحدة والدول الغربية بعين القلق إلى هذه المجموعة الاقتصادية السياسية الناشئة، وما يزيد قلق واشنطن بحسب مجلة “نيوز ويك” الأميركية أن البريكس بدأت تتحول إلى “كابوس” على الولايات المتحدة والدول الغربية مع تزايد اهتمام العديد من دول العالم بالانضمام إليها في الأعوام الأخيرة، ولاسيما بعد اندلاع النزاع الروسي الغربي في أوكرانيا وتزايد التوتر بين واشنطن وبكين حيال تايوان.
وتكشف المجلة أن مصدر القلق ينبع من أن الكتلة الاقتصادية لمجموعة البريكس بقيادة روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، يزداد نفوذها كقوة جيوسياسية جديدة لديها القدرة على تحدي النظام المالي الذي يقوده الغرب إلى حد كبير”.
وأعلنت نالدي باندور، وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، أنّ إنشاء عملة بريكس جديدة سيكون بنداً رئيسياً في جدول أعمال قمة “البريكس” المقبلة، في جوهانسبرغ في 22 آب القادم.
لاشك أن البريكس بدأت تأخذ دوراً متزايداً مع احتدام الصراع الغربي مع كل من روسيا والصين العضوين الرئيسيين في المجموعة، وهي تسعى ليكون لهذا التكتل الاقتصادي صوت أقوى في الساحة الدولية والمشاركة في “إعادة التوازن” إلى النظام العالمي، وفق البيان الصادر عن اجتماع كيب تاون.
وقد أظهرت البيانات الاقتصادية الأخيرة للعام 2022 أن اقتصاد مجموعة البريكس تجاوز لأول مرة اقتصاد مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، وذلك بعد أن وصل الناتج المحلي لدول “بريكس” إلى 31.5% من الإنتاج العالمي مقابل 30.7% للقوى السبع الصناعية. الأمر الذي يشكل تهديداً لاقتصاد الولايات المتحدة، ولاسيما مع الحديث المتزايد عن إطلاق عملة موحدة للبريكس، والتي من شأنها أن تزيح الدولار عن عرش التعاملات المالية الدولية.
إن مجموعة البريكس إذا ما انضمت إليها الدول الراغبة، فسيصبح مجموع مساحة دولها ما يزيد عن 55 مليون كم مربع، أي ما يعادل تقريباً 37% من مساحة اليابسة، على حين سيتجاوز عدد سكان أعضائها 4 مليارات نسمة، وهو ما يزيد عن نصف سكان الكوكب، ويزيد عن 4 أضعاف عدد سكان مجموعة الدول السبع.
فلنا أن نتخيل أهمية هذا التجمع الاقتصادي والسياسي الذي يضم كبريات الاقتصادات العالمية ونصف القوة البشرية العالمية، ويهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام بالشراكة بين الأعضاء والدول الراغبة.
ولن يكون الثقل السياسي بأقل تأثيراً، ولاسيما أن البريكس تهدف أصلاً إلى تعزيز الأمن والاستقرار في العالم وتكريس التعددية القطبية والعمل على إصلاح المنظمات الدولية ومؤسساتها المالية التي تهيمن عليها القوى الغربية لتصبح أكثر توازناً وتمثيلاً للقوى العالمية الناشئة.
المؤشرات الاقتصادية والسياسية الحديثة تظهر أن مجموعة البريكس سوف تكون قادرة خلال السنوات القليلة القادمة على قيادة الاقتصاد العالمي، والمساهمة بقوة في إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد القائم على التعددية القطبية والشراكة والاحترام المتبادل.