الثورة _ علا مفيد محمد:
من منا لا يحلم ويسعى إلى تحقيق النجاح في مختلف مجالات حياته وأهمها العمل.
هذا السعي الذي يدفعنا للأمام و يخلق التنافس فيما بيننا للوصول إلى ما نرمي إليه كلٌّ حسب هدفه سواء أكان معنوياً متمثلاً بتحقيق الذات والوجود أم مادياً أم تقلد مناصب عليا، كلها غاياتٌ مشروعة شرط أن يخلو السعي والتنافس من الغيرة السلبية والمكائد لإقصاء الغير.
وانطلاقاً مما تقدم وجب الوقوف عند ماهية التنافس في العمل مع الدكتور زكوان قريط اختصاصي إدارة أعمال في جامعة دمشق الذي أوضح للثورة بأن التنافس من أهم وأقوى الدوافع للعمل والإنجاز بشكل عام حيث أنه يتحكم بسلوكيات الفرد الذي يحاول استخدام شتى الطرق و الوسائل للبقاء في الصورة والدائرة التنافسية للحصول على المزايا المختلفة.
أهداف مختلفة
وأشار أيضاً إلى اختلاف الأهداف التي تقف وراء المنافسة بين العاملين، فمنها المنافسة على اعتلاء المناصب إذ يميل الأشخاص إلى الوجاهة الاجتماعية، أو المنافسة على المكافآت والحوافز المادية حيث يطمح العاملون بالتأكيد على الحصول على مزيد من المال نظير الأعمال التي يقدمونها، أما المنافسة على تحقيق الذات فالنفس البشرية تميل إلى حب التقدير و سماع كلمات المدح و قد يحتاج الموظفون في مرحلة معينة إلى هذا النوع من التقدير أكثر من حاجتهم إلى التحفيز المادي.
إيجابية المنافسة
وأكد أن المنافسة تتطلب إتاحة الفرص للجميع و تمكين الأفراد المعنيين على حد سواء، فالإدارة هي الميزان الذي سيحدد ما إذا كانت المنافسة في العمل إيجابية أو كارثية.
فعندما تكون المنافسة في العمل خاضعة للتخطيط والإدارة الحكيمة ستكون سبيلاً لتشجيع العاملين على زيادة الإنتاجية من خلال ربط تحقيق المنفعة والإنتاجية بالحصول على الإمتيازات التي ستحفز العاملين على أداء أقصى جهد لتحقيق الأهداف و عندها سيتم الارتقاء بالمؤسسة مهنياً وإدارياً بالإضافة إلى ما تضيفه من إيجابيات للأفراد حيث تدفعهم للعمل بجد لتعزيز التنمية الشخصية وتقلل الرضا المطلق من الذات وذلك باستكشاف الأفضل لديهم.
التنافس غير الشريف
وحذر اختصاصي الإدارة من التنافس غير الشريف الذي يقوم على الممارسات الدنيئة والملتوية التي يمارسها البعض لإبعاد الآخرين فيعتمد أصحاب هذه الطريقة على التدليس والتزوير و ذلك بالكذب و تشويه الحقائق بشأن واقعة معينة، كما يتعمد البعض الإساءة لمنافسيه باختلاق الفضائح والوشايات، أما أسوأ أنواع المنافسة غير الشريفة تكون عندما يتفرغ أحدهم لنصب المصائد والمكائد لإسقاط أحد زملائه و للإطاحة به من منصبه الوظيفي.
وهنا يكمن دور الإدارة في ضبط العملية التنافسية بحسب رأي الدكتور زكوان من خلال حرصها على توفير بيئة عمل صحية ركيزتها الشفافية والأمانة ومنح الجميع فرصاً متساوية لإثبات أنفسهم بالإضافة إلى البقاء على الحياد دائماً والإلتزام بالعدالة واستبعاد الأشخاص غير الأمناء بعد التحقيق معهم وثبوت وقائعهم.
أنواع المتنافسين
ولعلم النفس تفسيراته لمفهوم تنافس الأفراد في العمل حيث أوضحت المرشدة النفسية رشا الصبّاغ بأنه يوجد اختلافات فردية تبعاً للنظم التربوية والمجتمعية فبعض الأفراد يندفعون بالإنجاز الذاتي، ويسعون جاهدين لبذل قصارى جهدهم وتحسين أنفسهم واكتشاف نقاط قوتهم ونقاط ضعفهم أثناء عملية المنافسة حيث يرتبط عندهم التنافس ارتباطاً إيجابياً بزيادة احترام الذات، والتمتع بالمهام، وتنمية الذات، والانتماء، وغيرها من مؤشرات الصحة الاجتماعية.
أما الإفراط في المنافسة عند بعض الأفراد يعود إلى أنه لديهم حاجة قوية جداً للمنافسة والفوز بأي ثمن، لأن قيمتهم الذاتية تستند إلى المنافسة، وبالتالي يشعرون بأنهم أكثر قوة من خلال الفوز وإقصاء الآخر،.
فالفوز يجعلهم يشعرون بأنهم متفوقون على الآخرين و إنهم ينظرون إلى منافسيهم على أنهم أعداء ولا يخشون استخدام استراتيجيات غير عادلة من أجل الفوز .
وقد وجد الباحثون أن هذا التوجه يرتبط بتدني احترام الذات، وانخفاض الصحة النفسية المثلى، والعصبية العالية، والعدوان العالي، والهيمنة العالية، وعدم الثقة، والنرجسية.
وأكملت بأن هناك نوعاً آخر من الأفراد يتجنب المنافسة وقد اتبعوا هذا التوجه بشدة بسبب الإخفاقات المحتملة لأنهم يخشون تشويه سمعتهم لدى الآخرين، وعادة ما يشعرون بالحرج أو الإذلال بسبب الهزيمة التنافسية، يرتبط تجنب المنافسة الأعلى بعصبية أعلى وصحة نفسية أقل.. إذ يفتقر تجنب المنافسة إلى الثقة بالنفس وسلوكيات تدمير الذات .
التعلم والتطور
وتلفت المرشدة النفسية على ضرورة الاستفادة من الروح التنافسية في التعلم والتطور من الأشخاص الأكثر خبرة والسعي إلى تطوير وتحسين المهارات، واكتساب مهارات أخرى تساعد في التطور والنمو مثل : مهارات تنظيم وإدارة الوقت بشكل فعّال، البحث عن الشغف لأنه سيساعد بالقدرة على التفكير الإبداعي والخروج عن المألوف.
واختتمت حديثها بأنه يجب العمل من قِبل المؤسسات والأفراد على إيجاد الطريقة المثلى في التعاون بين فريق العمل بما يتناسب مع ظروف الأفراد ونظام العمل ذاته و التركيز على مقدرات وميزات كل شخص على حدة فهي الوسيلة الأنسب والأفضل لخلق بيئة عمل مستدامة يكون فيها الإنجاز والمتعة سمتين أساسيتين لأن : التنافس ليس ضرورياً عندما يحدد كل شخص تميّزه وإبداعه وطريقة عمله المختلفة عن الآخر لأننا بالنهاية سنصل للتكامل مع بعضنا لنوجد عملاً متكاملاً متميّزاً ومختلفاً عن أي عمل آخر، مايجعلنا نشعر بالأمان والرغبة والشغف بالعمل، وبالتالي سينعكس على صحتنا النفسية وعلى مخرجات العمل ذاته.
