تماماً كما هي حكاية الدونكيشوت الذي حارب طواحين الهواء في القصة الأوروبية وحلم أن يكون فارساً على حصانه العاجز كذلك يتقمص السياسيون في أوروبا هذه الشخصية، ويخرجون من بين سطور تلك الحكاية إلى مؤتمر بروكسل للمانحين حول سورية، ويمتطون أحصنة العقوبات للمرة السابعة على السوريين، ويحلمون بأن تكون العجوز الأوروبية فارسة الملفات السياسية حتى ولو جعلت من التجويع والحصار والحروب أهدافاً (للنبلاء الأوروبيين) فبأي عصر سياسي تعيش اليوم أوروبا، وهي تضبط ساعاتها على توقيت أميركا وكيف باتت لغتها الدبلوماسية إذ تتحدث بروكسل بحنجرة واشنطن وبلسانها..
المجتمعون في مؤتمر المانحين بنسخته السابعة حول سورية أغمضوا أعينهم عن كل التطورات التي حصلت وتحصل بدءاً من الانتصار العسكري السوري على الإرهاب وليس انتهاء بحضور دمشق لقمة جدة وحضور العرب إلى سورية ومدهم السجاد الدبلوماسي ويد المصالحة وفتح السفارات والصفحات السياسية الجديدة على نية إنهاء الحرب والمعاناة الاقتصادية للسوريين وإعادة إعمار ما دمرته سنوات المؤامرة الغربية ..بل يصر الأوروبيون على ركوب الجدار السياسي الأميركي المتصدع أساساً والهجوم بالعقوبات على سورية والصراخ بعبارات عفا عنها الزمن والإيحاء باستمرار القدرة على محاربة السوريين حتى لو من جيوبهم التي أفرغت اميركا معظمها في حروب لصالحها..
اللافت أن الموقف الأوروبي يبدو ظلاً للموقف الأميركي ليس فقط في الشأن السوري بل في سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه كل الملفات في لبنان وفلسطين وليبيا وأينما قالت واشنطن لا للسلام ولا للتهدئة نجد الأوروبي يقفز مكرراً ماقاله البيت الأبيض وينظر إلى تعابيره لأخذ الموافقة أو الرفض ..لذلك تمتعض أوروبا من المصالحة السعودية الإيرانية، وتدفع لاستمرار الحرب في أوكرانيا وتركض أمام الأميركي لتلتقط له صيده السياسي بفمها، وهذا هو فقط مبرر تصريحاتها الأخيرة في مؤتمر بروكسل للمانحين، حيث كرر جوزيب بوريل ماتريده واشنطن لعرقلة تعافي سورية وعودة اللاجئين.
اللافت أيضاً أن الاتحاد الأوروبي لم يتطور حتى جمله وتعابيره وضيوفه في مؤتمر بروكسل الأخير ولم يفكر حتى في تغيير بطاقات الدعوة وجعلها أكثر مقاربة لما يجري ..لم يفكر في دعوة السوريين ..بل دعا كالعادة ممثلي جبهة النصرة وداعش على نفس الطاولة وقرأ البيان الذي بعثته واشنطن في بريدها الكلاسيكي إلى أوروبا على لسان بوريل ووزع حصص بقاء احتجاز اللاجئين وعرقلة عودتهم وعرض لحضوره فلم طواحين الهواء التي تريد طحن الديمقراطية الغربية في سورية !! ليظهر ظل الدونكشوت بجانب صرح شومان مؤسس الاتحاد الأوروبي!!
من الصعب أن تفكك أوروبا تبعيتها لواشنطن..ومرآتها السياسية تظهر في سورية صورة العجوز التي تتشظى مع انهيار الآحادية القطبية وربما يتأذى الاتحاد الأوروبي أكثر من أميركا ذاتها في هذا الانهيار فلا يوجد ضمان صحي للسياسات إذا ما كانت التبعية لأميركا.