ذاكرة…منير كيّال..

الملحق الثقافي:          

باحث في تراث دمشق، في عاداتها وتقاليدها وصناعاتها ، قدّم عنها أكثر من كتاب ودراسة ، وهو يعكف الآن على المزيد من الدراسات والأبحاث التي يتمنى أن ينجزها بأسرع وقت ممكن…
في منزله الكائن بمشروع دمّر زرناه، وكان لنا معه هذا الحوار الذي تمنى أن يكون مباشراً أي أن يطرح السؤال ويقدّم الجواب مباشرة ، لا كما يفعل الكثيرون كما يقول ،يقدمون الأسئلة ويعودون بعد حين لأخذ الإجابة ، فهو وحسب رغبته يريد أن يتدفق مثل الينبوع ولنا أن نأخذ ما نريد من مائه العذب.
 لنبدأ من محطات الحياة… ماذا تقول..?!
  أنا من مواليد 1931 مدينة دمشق حي الشاغور ،التحقت بمكتب الشيخ مسعود الذي كان بإشراف الشيخ ابراهيم شخاشيرو وأنا في سن الخامسة، حيث درست وتعلمت مبادىء القراءة والكتابة و ختمت القرآن الكريم وعلوم اللغة والحديث. وفي عام1941م تخرجت في هذا المكتب والتحقت بمدرسة أبي .عبيدة الجراح الابتدائية، وحصلت منها على الشهادة الابتدائية عام1946م ثم التحقت بمدرسة التجهيز الثانية(أسعد عبد الله) وحصلت على الاعدادية ثم الثانوية عام1952م وبعد ذلك التحقت بجامعة دمشق- قسم الجغرافية وتخرجت عام1962م.
أبي سائق قطار…
وحين نفتح دفاتر الطفولة ولحظاتها الهنيّة ، يسأل وأي سعادة في هذه الطفولة: والدي كان سائق قطار على الخط الحديدي الحجازي، أذكر أني ذهبت معه إلى بيروت في القطار، وقد استمرت الرحلة أكثر من /12/ ساعة وكان بطيئاً وغير مريح ، لم أحبّ هذه المهنة أبداً.
بعد أن تقاعد والدي، خرجت إلى العمل ، بل أقول لك: عملت منذ كنت صغيراً ، عملت أجير حداد، أجير طيان، أجير معمل بلاط، بائعاً متجولاً في المدينة والأحياء القريبة منها..
كنت أحمل في جعبتي كبائع متجول أشياء كثيرة، أبادلها بالبيض والعدس، وأحياناً أشتري(سطل شوربة) وأحتفظ ببعض النقود كمصروف شخصي، وعندما كنت أغيب عن الحارات كانوا لايشترون من بائع آخر ،بل ينتظرون عودتي إليهم ،هذه المهنة علمتني حبّ الناس والالتصاق بهم وأن أكتب عنهم وعن حيواتهم وتقاليدهم ، صورت الحارات الشعبية لأنني جزء منها.
 هل تتذكر مدرسيك..؟
 ولماذا الاهتمام بالتراث..؟
  لأنني ابن البيئة ولصيق بحياة الناس الذين عشت معهم صرت منهم، كانت المحبة صادقة، بلا رتوش ، بلا مجاملات، الكل متعاون، البائع إذا استفتح يقول للشاري: اذهب إلى جاري لقد استفتحت.. لم يكن عصر المضاربات قد بدأ…
الآن تغيّرت الأحوال الاجتماعية ، وسائل الإعلام ،الحياة المزدهرة – سنّة التطوّر.. تغيّر كلّ شيء.
أحن إلى تلك الأيام….
 من أين تستمد معلوماتك… ما مصادرك؟.
  البيئة هي مصدري الأول، خزنت في ذاكرتي الكثير، سجلت ملاحظاتي دونتها أفدت ممن سبقني ولاسيما من شيخ المؤرخين: محمد دهمان لأنه كان يرسلني إلى أماكن لا أعرفها ويطلب مني استكشافها، ويقول لي: صف المكان ، وكن أميناً…
 أي مراحل دمشق التاريخية تعجبك..؟
  المرحلة الأيوبية والمملوكية والعثمانية ، لأن هذه المراحل أعطت دمشق طابعها الجمالي، عاداتنا، تقاليدنا ، تنطبع بالطابع العثماني ،لقد عاشوا معنا وذابوا في مجتمعنا.
وأود هنا أن أتوقف عند نقطة، لا أريد أن أغادر ذكر المرحلة العثمانية دون التوقف عندها، ألا وهي الخطأ الشائع الذي يقول :إن كراكو تركي المنشأ ، وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق فهو من بلاد فارس وربما جاء عبر الأناضول ، لقد أخذ السلطان سليم عدداً من المخايلين، وأفضل فرقة عادت إلينا بطابع تركي ومن ثم عربي ونحن حافظنا على أسمائها التركية.
وبالمناسبة(الكراكوز) كان معلماً يتجول في المقاهي والأماكن العامة، ويسهر في الأماسي يحاكي الناس ويفجر طاقاته التمثيلية ويقدّم الموعظة ويستفيد منه الناس ترفيهاً وموعظة.
 لنعد إلى بردى نهر دمشق الخالد.. ماذا عنه..؟
  بردى رئة دمشق لولاه ما كانت ، كان يوزع على كلّ بيت مياهه تصل كلّ البيوت عبر الطوالع، وكلّ طالع يعطي المنزل حصته من الماء، ثمة شخص يسمى(الفرضي) يحدد حصة الماء المسال إلى كلّ بيت حسب الحصة والأسهم، وشخص آخر يعتني بنظافة الطالع ويغلقه، والناس تشرب من هذا النهر ويؤدي حاجياتها قبل أن تنشأ لجنة مياه عين الفيجة، وكانت سبلاً للإنسان، وسبلاً للحيوان.
 عرفت دمشق بصناعات ، وحرف نسبت إليها هل استطعنا الحفاظ عليها… وما مصيرها الآن..؟
  تميزت دمشق بصناعات أعطتها شهرة واسعة في العالم، فدمشق معروفة بأنها بلد(البروكار) بلد السيوف الدمشقية ، بلد الزجاج وكانوا يقولون: أرق من زجاج الشام.
عرفت بالفسيفساء ، فهنا نشأت هذه الصناعة منذ أيام الرومان وعندما عمّر الوليد المسجد الأموي استعان بالصناع السوريين وكان عددهم/20/ ألف صانع اشتركوا في البناء، والدليل على ذلك عندما احترق الأموي (ساخ الرخام) والقصور المشهورة والفخمة تعتمد بديكورها على الزجاج السوري، أبو نذير القزازي أحد أشهر الحرفيين بدمشق أعرفه منذ 50 سنة زار دولاً وأنشأ معامل للزجاج وينظر إليه كحرفي مبدع وفنان وكذلك (أبو سليمان الخياط)إنه مزين قبة البرلمان وقصور في دول عربية صناعته الحلق الخشبي، أو الحفر الخشبي وتابع أولاده من بعده.
شهرة عالمية..
وأود أن أقول: إن ثوب الزفاف الذي ارتدته ملكة بريطانيا اليزابيت هو هدية من شكري القوتلي وهو من البروكار الدمشقي وقد قدم من محل مزنر في باب شرقي قبل أكثر من نصف قرن.
وأخاف على هذه السمعة أن تضيع لأن بعض ضعاف النفوس يقلدون الصناعات بمواد سيئة غير جيدة ، الموزاييك يصنع على الورق المقوى و يباع ، مشيخة الكارات كانت أحسن رعاية لم يعد لدينا من يحاسب على دقة العمل والسمعة .. لقد تجرأ الكثيرون و أساؤوا للمهنة ، و لم يفعل أحد ذلك أيام زمان.
 هل تفكر بوضع موسوعة حول الصناعات الدمشقية؟.
  تعمل وزارة الثقافة على جمع هذا التراث وتسجيله وقد بدأت ذلك عندما كان محمود السيد وزيراً للثقافة ،تأسست لجان من المعنيين بالأمر وقد تمّ مسح العديد من هذه الصناعات.
  كتبت الكثير عن دمشق ، و الآن أكتب عن مسميات و كنى الدمشقيين و أبحث في الأقوال والأمثال التي يتداولها العامة ، و قد قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال ،و أعيد صياغة الكتاب ثانية وسوف أدفعه للطباعة قريباً .
و كذلك أنجزت كتاب ( دمشق الشام ذاكرة الأيام) في هذا الكتاب أبين ما كان عليه الناس من تحاب و تناصر مع بعضهم، و حتى مع الحيوان ، لقد كانت دمشق قبلة علمية للعالم ، وكان الأموي جامعة ، لا يحق للأستاذ أن يدرّس تحت قبته إلاّ إذا كان على قدر كبير من الموسوعية ولديه من الاحاطة بالعلوم، و بعد الفحص من العلماء و التدارس في الموضوعات الحرجة، فإن لاقى القبول كان له مايريد .
و حول الأموي كان ما يشبه الحي الجامعي .. مدارس ومؤسسات يقيم فيها الطلاب ، يأكلون ويشربون ، و لكل عمود يجلس عنده مدرس وقف مخصص له و لتلامذته..
           

العدد 1148 –  20-6-2023  

آخر الأخبار
"أدباء غزة..الشّهداء" مآثر حبرٍ لن يجف تقديم الاعتراضات لنتائج مفاضلة الدراسات العليا غداً  ضخ المياه إلى القصاع وجناين الورد والزبلطاني بعد إصلاح العطل بن فرحان وباراك يبحثان خطوات دعم سوريا اقتصادياً وإنسانياً السلل الغذائية تصل إلى غير مستحقيها في وطى الخان  باللاذقية إجراءات لحماية المواقع الحكومية وتعزيز البنية الرقمية  منطقة حرة في إدلب تدخل حيز التنفيذ لتعزيز التعافي الاقتصادي The NewArab: المواقع النووية الإيرانية لم تتأثر كثيراً بعد الهجمات الإسرائيلية الهجمات الإسرائيلية تؤجل مؤتمر الأمم المتحدة حول حل الدولتين قداح يزود مستشفى درعا الوطني بـ 6 أجهزة غسيل كلى   تعبئة صهاريج الغاز من محطة بانياس لتوزيعها على المحافظات إسرائيل.. وحلم إسقاط النظام الإيراني هل بمقدور إسرائيل تدمير منشآت إيران النووية؟ الهجوم الإسرائيلي على إيران ويد أميركا الخفية صناعيو الشيخ نجار وباب الهوى يتبادلون الخبرات  وزير المالية من درعا : زيادة قريبة على الرواتب ..  وضع نظام ضريبي مناسب للجميع ودعم ريادة القطاع ال... المبعوث الأميركي يستذكر فظائع الحرس الثوري في سوريا   الحرب بين إسرائيل وإيران.. تحذيرات من مخاطر تسرب إشعاعات نووية     معبر البوكمال يعود: سوريا والعراق يدشنان مرحلة جديدة من الانفتاح التجاري مع استمرار الحرب..  الباحث تركاوي لـ"الثورة": المشتريات النفطية الأكثر تأثراً