أديب مخزوم:
تطل العمارة والمكعبات والمجسمات والعناصر الإنسانية والطبيعة وحركة الغيوم والتفاحة وغيرها، في معرض الفنان السوريالي موفق السيد، الذي أقامه في صالة آرت هاوس تحت عنوان ( أسقف ) كرمز لحلم مستعاد أو ليقظة غرائبية، وبأداء منضبط بأصول وقواعد ومعادلات، وبدقة متناهية تشكل بانوراما الرموز والهواجس الغامضة والخفية في خطوات تصويره سحر الرؤى الغرائبية.
هكذا يمكننا الاقتراب من عوالم لوحاته، وتفهم معاني قصيدته السحرية المسكونة في ألوان اللاشعور السوريالي، والتي جاءت كردة فعل ضد النزعات العبثية والدادائية والتركيبية والتجريدية وغيرها، ولهذا جاءت أعماله أكثر ميلاً نحو التجسيد الذي يعتمد طريقة إظهار البعد الثالث، برؤية بصرية تتدرج فيها الإضاءة داخل الأشكال المرسومة، بالإضافة إلى تقديمه ملامس لونية ناعمة في تجسيد الأشكال وتظليلها وإبراز رصانة الرسم في معالجة التفاصيل الصغيرة والدقيقة التي تحتاج إلى جلد وصبر ووقت طويل.
فهو يبحث في التقنيات التصويرية، حيث التناغم والإيحاء والانفلات نحو الحلم المطلق الباعث على الحيرة والتأمل والدهشة، والآتي من تقنيات عصر النهضة وصولاً إلى الكلاسيكية الجديدة وواقعية القرن التاسع عشر. أي إنه يعتمد تقنيات كلاسيكية وواقعية في خطوات توليف عناصره السوريالية، لجهة التعمق بصياغة تشكيلات رصينة وعقلانية نراها ضمن تمثيلات فيها عمارة منفلتة من قانون الجاذبية وطائرة في الفضاء، بكل التحديدات والتفاصيل الصغيرة والدقيقة أي بصورة بعيدة كل البعد عن منهج التبسيط والأختصار والتجريد.
والأشكال السوريالية في لوحاته شكلت عودة إلى أجواء ميثولوجية سحرية شرقية، حين كان الإنسان البدائي، في الشرق السوري القديم يختصر معاني الحياة والوجود برؤى اسطورية خرافية، وهذا الانفتاح على الأشكال والرؤى الغرائبية الخارقة، هو الذي جعله يذهب إلى تخييل شكلي يصل بالحركة البصرية إلى بهلوانية غريبة، وبالتكوينات إلى أسطورية تتهافت بصورة سحرية على سطح اللوحة.
هكذا تشكل لوحاته مدخلاً لاستشفاف جوهر الرسم السوريالي أو الخيالي، الأكثر غموضاً وغرابة في رموزه وعلاماته ودلالاته السحرية والأسطورية، فالهاجس القصصي المشحون بالغرابة يطل عبر بانوراما أشكاله الخيالية، ويتنوع ويتداخل، في خطوات البحث عن إيقاعات تشكيلية جديدة فرضتها وبشكل غير مباشر، أحلامه وتخيلاته، وما ترسخ في وجدانه من مشاهدات وحكايات وقصص خيالية وأسطورية.
والأشكال السوريالية في لوحاته شكلت عودة إلى أجواء ميثولوجية سحرية شرقية أقدم من ألف ليلة وليلة، حين كان الإنسان البدائي، في الشرق السوري القديم يختصر معاني الحياة والوجود برؤى اسطورية خرافية، وهذا الانفتاح على الأشكال الغرائبية، هو الذي جعله يذهب إلى تخييل شكلي يصل بالحركة البصرية إلى بهلوانية غريبة، وبالتكوينات إلى أسطورية تتهافت بصورة سحرية على سطح اللوحة.
هكذا يرسم بإضفاء المزيد من الدراية العقلانية والتقنية على عناصره السوريالية، ويبدو مولعاً برسم عمارات الأحلام بلوحات كبيرة، ويحمل الذاكرة إلى رؤى حلمية قادمة من معطيات اللاشعور السوريالي، بكل ما فيها من تفاصيل وعناصر عبر لمسات ريشة رفيعة تجنح بقوة نحو إظهار تفاصيل كل العناصر القادمة من وضوح الرؤى السوريالية والفانتازية في الابعاد الحقيقية. فلوحاته تمنحنا الانطباع بأنه يمتلك القدرة لتحسس إيقاعات ألوانها المأخوذة من الطيف الشعري، يقدر ما يذهب لتكثيف الوعي التصويري والتقني، في إطار اللوحة عبر اللمسات اللونية الهادئة والمدروسة والرصينة، والتي عمَّقت من هواجس نزعته اللامنطقية، المعبرة عن لامنطقية الواقع.
ومن الناحية الفنية يرسم موفق السيد بمنظورية البعد والعمق، ويرتد دائماً إلى لغة الوعي واللاشعور في آن واحد، حين يجسد الأشكال والعناصر بلغة تصويرية مفرطة في دقتها في خطوات التعبير عن هواجسه السوريالية المتداخلة والمتشابكة،
والتي تستمد من تدرجات الظل والنور جمالية الرؤية الفنية، ولهذا نراه يجنح وبقوة نحو إظهار الأشكال على خلفية لونية خافتة او معتمة، وهذا يزيد من وضوح الرؤية الأسطورية في فراغ السطح التصويري.
هكذا يمكن التماس عوالم الأحلام والرؤى الخيالية والأسطورية، وتداعيات معطيات اللاشعور السوريالي، وجمالية الصياغات اللونية والخطية المنبثقة من الرؤية الحلمية، أي من تداخل إيقاعات الأشكال، كما يمكن أن نراها في الأحلام أو في تخيلاتنا المرافقة لقصص ألف ليلة وليلة، التي شكلت منطلق ولادة الرؤى السوريالية الحديثة والمعاصرة.
السابق