الثورة – ناصر منذر:
طوال تاريخه النضالي ضد الاحتلال الإسرائيلي، شكل مخيم جنين في الضفة الغربية رأس الحربة في مقاومة الاحتلال، وسجل أهله المقاومون انتصارات كبيرة هزت كيان الاحتلال، وهذا ما جعل من جنين ومخيمها رمزاً نضالياً للشعب الفلسطيني، الذي يقدم التضحيات الجسام في سبيل دحر العدو الإسرائيلي، واستعادة الأرض وكافة الحقوق المسلوبة من قبل هذا العدو الغاشم.
ويؤكد خبراء ومحللون أن المخيم شكل نقلة نوعية في تاريخ المقاومة والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي وجيشه، مشيرين إلى أن صمود المقاومين داخل المخيم، وتحديهم لجيش الاحتلال، والاشتباك معه، ونصب الكمائن، يدل على قوة المقاومة داخل المخيم ونضجها، موضحين كذلك أن نجاح المقاومة في مخيم جنين، يعود لصمود المقاومين، وكذلك للالتفاف الشعبي الكبير الذي يحيط بها، وكذلك المعارك الماضية التي كان للمقاومة النصر فيها ضد الاحتلال الإسرائيلي وجيشه، والخسائر التي مني بها أخيراً”.
فمخيم جنين، الذي يقع في أقصى غرب مدينة جنين والمحاط بالمرتفعات والسهول، والبقعة الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها الـ 473 دونماً، وثاني أكبر مخيمات الضفة، لطالما ارتبط اسمه بالعمليات البطولية التي يقوم بها المقاومون في التصدي لقوات الاحتلال، وكذلك الشهداء الكبار الذين سقطوا على أرض المخيم للدفاع عنه. وشكل المخيم بحسب الخبراء تغييراً كبيراً نوعياً في تاريخ المقاومة، وهو يعد بمثابة شوكة قوية في حلق الاحتلال، التي أوجعته على مدار سنوات طويلة وخاصة في مدن الضفة، التي لا يكاد يمر يوم إلا وتُسجل فيه حملات اقتحامات واعتقالات ومواجهة واسعة مع الفلسطينيين.
وبحسب الخبراء يخشى العدو الإسرائيلي أن تتحوّل جنين إلى معضلة لا يستطيع مواجهتها، ويضطر إلى التعامل معها كأمر واقع، كما هي الحال في قطاع غزة، ويخشى أن تتحول الظاهرة لتشمل كل الضفة المحتلة، ولذلك يسعى العدو لترميم صورته التي اهتزت أمام مستوطنيه بعد سلسلة العمليات الفدائية التي هزت الكيان الغاصب مؤخراً.
وقد استهدف الاحتلال مخيم جنين منذ سنوات طويلة، ولعل أبرز المعارك التي دارت بداخله بداية اجتياح الاحتلال للضفة الغربية المحتلة، في شهر آذار من العام 2002، حيث خاض رجال المخيم من كافة الفصائل معركة خلدها التاريخ دامت 15 يوماً، دمر خلالها الاحتلال المخيم بشكل شبه كامل، فيما سجلت خلالها ملاحم من البطولة والمقاومة، استشهد فيها أهم القيادات العسكرية من الفصائل الفلسطينية آنذاك في الضفة الغربية.
وحينذاك وظّفت المقاومة الفلسطينية مساحة المخيّم الصغيرة وطبيعة بنائه (المنازل المتلاصقة والشوارع الضيقة) لصالحها حيث عمل المقاومون على إحداث فتحات في الجدران للتنقل حالت دون رصدهم من قبل طائرات الاحتلال، كما أوقعوا آليات الاحتلال في الكمائن التي أدّت إحداها إلى قتل 13 جندياً وإصابة 15 آخرين.
وقد أدرك الاحتلال في ذلك الحين حجم خسائره فعمل على هدم وجرف المنازل والشوارع كي يؤمن طريقاً مفتوحاً للدبابات وتدمير حصون المقاومة، لكن المواجهة بقيت مفتوحة في “عش الدبابير” “بحسب وصف كيان الاحتلال للمخيم” الذي كلّف الاحتلال 50 قتيلاً وإصابة عشرات آخرين.
وقد ارتكب الاحتلال في ذلك الوقت جرائم حرب موصوفة، على غرار التي يرتكبها اليوم خلال عدوانه الوحشي على جنين ومخيمها، فحاصر المخيم ومنع إسعاف الجرحى، واستخدم الدبابات والطائرات الحربية والمدافع مقابل الأسلحة البيضاء والبسيطة، وقتل بدم بارد المدنيين وأباد عائلات كاملة، كما دمر المباني السكنية (455 منزلاً دُمّر بالكامل).
واليوم يقدم مخيم جنين مجدداً ملاحم بطولية خلال تصديه للعدوان الغاشم الذي يشنه الاحتلال، والذي راح ضحيته حتى الآن 8 شهداء وعشرات الجرحى.