الثورة – عبد الحميد غانم:
فاجعة جديدة تضاف إلى المآسي والمعاناة التي تتعرض لها جالياتنا العربية في بلدان الاغتراب، والتي تتزامن مع جرائم النازية الصهيونية المتواصلة يومياً بحق أبناء شعبنا الفلسطيني أصحاب فلسطين الحقيقيين، وما يحدث في جنين إحدى تلك الجرائم الوحشية بحق أبناء شعبنا الأعزل من السلاح.
مرة جديدة، وليست غريبة، يصطدم المجتمع الدولي، بالممارسات العنصرية الغربية بحق الجاليات العربية.
وبدم بارد وبشكل متعمد من قبل الشرطة الفرنسية، ارتكبت جريمة قتل الفتى “ناهل” الجزائري الجنسية في إحدى ضواحي باريس، الأمر الذي دفع مئات الآلاف للتظاهر، احتجاجاً على هذا التصرف الأرعن وغير المسؤول ممن يفترض بهم الحفاظ على أمن وحياة الناس.
لقيت حادثة مقتل الشاب الصغير ذي الأصول الجزائرية على يد شرطي فرنسي في العاصمة باريس تفاعلًا واسعًا من قبل الجزائريين، وأعادت طرح طريقة تعامل الجاليات العربية في دول الغرب، التي تدعي الديمقراطية والمساواة والشفافية والعدالة الاجتماعية.
لقد عمت المظاهرات والاحتجاجات الشعبية الأوروبية والعربية معبرة عن صدمتها واستيائها بمقتل الشاب نائل بشكل وحشي ومأسوي والظروف المثيرة للقلق بشكل لافت التي أحاطت بحادثة الوفاة.
وتصدت تلك الاحتجاجات لأجهزة الشرطة الفرنسية التي حاولت مع بعض الأطراف تشويه سمعة نائل وتبرير جريمة الشرطي الفرنسي، فالشاب لم يكن مطلوباً للعدالة ولم يكن تاجر مخدرات، بل كان لاعب ركبي محبوباً في حيه، وكان عامل توصيل طلبات طموحاً يأمل في تغيير حياته ومستقبله.
الملفت في هذا المشهد، أن بعض الأطراف الفرنسية لم تكتف بتشويه صورة الشاب الضحية، بل أرادت تقديم التبريرات للشرطي الفرنسي الذي أقدم على قتل الشاب متعمداً، في محاولة لحرف الرأي العام عن الحقيقة، وامتصاص نقمة الشارع ضد السلطات الفرنسية، وتصوير الحادثة، على أنها محض صدفة، ولا تحمل أي مضامين عنصرية، تتصف بها المجتمعات والسلطات الغربية لاسيما عندما يتعلق الأمر بالعرب.
وهو أمر ليس غريباً ولا جديداً عن تلك الأطراف الغارقة لرأسها بالممارسات والتوجهات العنصرية، بدءاً من الاحتلال والممارسات العدوانية ومروراً بأدواتها الإعلامية ووسائلها الثقافية والاجتماعية والفكرية التي تغطيها بألوان الإنسانية والشفافية والعدالة.
تلك الأطراف التي ترى بعين واحدة وتكيل بمكيالين، وتتغاضى عن السلوكيات الموجهة التي ينتهجها “البوليس” الفرنسي ضد المهاجرين ومزدوجي الجنسية من العرب بشكل خاص، وهو ناتج عن منظومة المجتمع العنصري الحاقد للغرب.
ويتطابق هذا الوصف مع ما عبرت به والدة الفتى نائل التي نقلت عنها وسائل إعلام مختلفة أنها تعتقد أن الحادثة لها دوافع عنصرية.
الملفت في حادثة مقتل الشاب نائل، تجنب وسائل إعلام فرنسية كثيرة الحديث عن ظروف جريمة استهداف الضحية، والتركيز على قضايا بعيدة كل البعد عن الحادثة، فمثلاً تتحدث “موندياليزاسيون” عن منتجات العلامات المشفرة التي استخدمتها الشرطة في المظاهرات.
أما “لوموند”، فعنونت :” أعمال شغب بعد وفاة نائل.. شبان متحمسون ومشاغبون ذوو ملامح معقدة”.
هكذا تتعامل نماذج من الصحافة الفرنسية مع الحدث، التي تعتبره درامياً خال من المشاعر، حين تصف القتل بالوفاة، والمحتجين بالمشاغبين وذوي ملامح معقدة، واحتجاجاتهم بأعمال شغب.
وبالتالي ستكون النتيجة أن الشاب الضحية هو المذنب، وأن القاتل هو شرطي ملتزم بتطبيق القانون ضد المجرمين، وبالتالي، ستخرج التحقيقات الفرنسية، التي أرادت السلطات الفرنسية تسويفها وإطالة الانتظار، لتخرج بعد ذلك، كما هو متوقع أن الشاب الضحية مذنب ونال جزاءه، ويذهب دمه وحقه في طي النسيان في الذاكرة العالمية، التي تمحي من ذاكرة البشرية جرائم العنصرية والاستعمار والاحتلال وكل حقوق ومطالبات الشعوب المقهورة والمظلومة والتي عانت من تلك الجرائم في منطقتنا والعالم، وتطمس الحقائق التي تفضح وتكشف زور تسويفات تلك القوى العنصرية التي تدعي الحرية والديمقراطيات الشكلية وتناقض الأفكار التي خرجت من ذهنيات وعقول المفكرين لتنير الدرب أمام الأجيال الصاعدة وتفتح آفاقا رحبة من بناء المجتمعات الديمقراطية والحريات، إلا أنها تصطدم بممارسات القوى الغربية بوجهها القبيح، والتي كشفت عنه ممارسات حكومة ماكرون وغيرها من حكومات الغرب وإدارة بايدن وتلتقي مع جرائم وممارسات الكيان الصهيوني الذي زرعوه في قلب الوطن العربي لاستكمال مخططاتهم العنصرية والتوسعية والعدوانية ضد أمتنا العربية وشعبها ودولها وسيادتها وهويتها وحضارتها ومستقبلها.
فالعدالة مطلوبة لنائل حتى لا تمر هذه الجريمة على ذاكرة العالم مروراً سريعاً، حتى لا تتكرر دون عقاب ومساءلة، وأن يحترم المواطنون في هذه الدول كما تفرضها المواثيق والشرائع الدولية، وتحترم حقوقهم وتصان في إطار النظام السياسي الوطني للدول.