حمزة حماد – كاتب فلسطيني:
لم يمضِ إلا يوم واحد على رابع أيام عيد الأضحى المبارك، ليتحول هذا العيد إلى مأساة كارثية بحق شعبنا الفلسطيني في مدينة جنين ومخيمها الثائر شمال الضفة الفلسطينية، والتي سقط خلالها عدد من الشهداء والجرحى، واعتقال العشرات من المواطنين.
هذه المجزرة البشعة التي استهدف خلالها الاحتلال الشجر والبشر والحجر، فلم تسلم منه المنازل المدنية، أو الشوارع، أو المستشفيات، أو المساجد، أو السيارات، أو حتى مسارح الأطفال، فهذا مصير من يعيش في هذه المدينة التي تأبى إلا أن تموت واقفة كالجبال.
بات يوصف مخيم جنين للاجئين الذي تأسس عام 1953م، والبالغ مساحته 473 دونمًا، بمخيم الأحرار، لدوره المشهود في إرباك حسابات الاحتلال على مدار سنوات طويلة، وهو ثاني أكبر مخيمات الضفة الفلسطينية، حيث تميز في بيئته النضالية التي لا تعرف الخضوع أو الاستسلام، مناهضٍ للعدو وللواقع الذي نعيشه كفلسطينيين من ضعفٍ وهوانٍ، وزمن التهافت والانهيار على المستويات كافة.
فكلما اشتد الصراع، وأخذ إرهاب الاحتلال يُمعن بحق المخيم وأهله الصامدين، زاد إبداع مقاتليه وتفوقهم على تخيلات العدو وتفكيره، رغم استعداداته وقدراته العسكرية وما يمتلكه من أدوات قتالية حديثة، إضافة لزيادة الوثوق بصوابية المبادئ التي انطلق منها هؤلاء الثوار الأبطال.
فالعدوان على جنين ومخيمها، ومواصلة الاجتياح البري والجوي يهدف بالدرجة الأولى إلى توجيه ضربة للمقاومة وإزالة العقبات أمام مشروع الضم الذي يقوم على إتمام ضم 60% من الضفة بما فيها القدس، والذي تجسده حكومة الاحتلال الفاشية لحسم الصراع مع شعبنا ومنع تجسيد حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس والحقوق كافة، فالاحتلال لن يقبل أن تتنامى هذه المقاومة بشتى أشكالها من أجل إحباط محاولة جنين في تشكيل حاضنة حقيقة ينطلق منها الثوار إلى كل مكان بالضفة، خاصة وأن منفذي العمليات الأخيرة التي وقعت في مدن الداخل أغلبهم من جنين.
وبالطبع، زادت وقاحة الاحتلال وبطشه تجاه مدينة جنين ومخيمها، ويضرب بعرض الحائط كل المواثيق والقوانين الدولية التي من شأنها أن تشكل رادعًا حاسمًا لهذا العدوان السافر على شعبنا الأعزل، كما أن العالم ما زال يعيش دور المتفرج أمام جرائم الاحتلال ضد الإنسانية.
فصمتنا القاتل لم يكن وليد اللحظة، إنما منذ سنوات طويلة ساهم الانقسام الفلسطيني في تكبيد شعبنا الخسائر الفادحة والمتلاحقة على صعيد التصدي للاحتلال وممارساته الإرهابية، كما جعله مكبل اليدين غير قادر على مواجهة التحديات الماثلة أمامه، الأمر الذي يقودنا إلى الإسراع في استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
فقيادة شعبنا اليوم مطالبة بالوقوف أمام مسؤوليتها في الدفاع عن حقوق شعبنا وحمايته من إرهاب الاحتلال ومستوطنيه، وإفشال مشروعه التصفوي من خلال وقف الرهان على الدور الأمريكي، وتطبيق قرارات الإجماع الوطني، والتحرر من التزامات اتفاقية أوسلو، ودعوة الأمناء العامين للفصائل من أجل الاتفاق على خطة واستراتيجية وطنية كفاحية موحدة تضم الداخل والخارج.