السينما الأميركية التي حملت اسم هوليود عاصمة لها كأقوى صناعة ترفيهية في العالم استطاعت أن تحافظ على مكانتها على مدى عقود، وأجيال متعاقبة من الممثلين، والمخرجين، وكتّاب السيناريو، والفنيين، والقائمين على هذه الصناعة، وهي إذ تعمل على تطوير نفسها من خلال استخدام التقنيات الحديثة، والابتكارات الفنية التي يتم تطويرها داخل هوليود ذاتها فهي إنما استطاعت أن تحول نفسها إلى امبراطورية عالمية للسينما بسبب الجودة العالية لما تنتجه من أفلام.
إن هذا المسار التطوري الذي سارت فيه سينما هوليود استطاعت من خلاله أن تطغى على ما تنتجه السينما في أي مكان آخر بما فيها السينما الأوروبية على جودتها، والأخرى الهندية (بوليود) على ضخامة إنتاجها وتنوعه لتظل هي حاملة التاج على الدوام.
وأمر هذه السينما الهوليودية لا يقتصر على متعة المشاهدة بل إنها صورة للحياة المعاصرة بما فيها من ثقافة، وأزياء، وموسيقى، وأساليب متنوعة للعيش استطاعت أن ترسخها ليتأثر بها العالم أجمع. كذلك فإن الموضوعات التي قاربتها، أو كرّست لها قد أثرت بشكل مباشر، وغير مباشر في سلوكيات الناس، وفي قناعاتهم سلباً وإيجاباً، كما في المواقف، والآراء السياسية، والاجتماعية المتباينة، وطرح قيم مجتمعية جديدة باعتبارها مصدراً مهماً من مصادر الفن والثقافة. وعلاوة على ذلك فقد عملت على تعزيز اللغة الإنجليزية لتصبح اللغة الأكثر تداولاً عالمياً. أما الإنجاز الأكبر لها فكان في ترسيخ النمط الأميركي لشكل الحياة المعاصرة، وجعلها تناسب جمهوراً واسعاً في جميع أنحاء العالم.
وعلينا ألا نستغرب أيضاً ونحن نتابع أفلام الحروب، والصراعات الدولية التي تطرحها السينما الهوليودية كيف أنها تشجع الجمهور على تبني مواقف سياسية معينة، ووجهات نظر مغلوطة سواء أكان ذلك بالدعوة إلى تعزيز الانقسامات والصراعات، أو إلى الالتفاف على الأزمات لحلها بالطرق الدبلوماسية، وقد تكون رسائلها السياسية مباشرة في الدعوة إلى تغيير المواقف، أو إلى إثارة الجدل، والتاثير السلبي، أو إلى نقيض ذلك بتعزيز الحوار، والتفاهم بين الدول، والشعوب على اختلاف ثقافاتها.
أما نجوم السينما من ممثلين، ومخرجين فقد أسهموا أيضاً بشكل كبير في عولمة سينما هوليود من خلال التأثير على الجماهير بعد أن استقطب هؤلاء اهتمام جماهيرهم إلى درجة الشغف بهم، والتقليد لهم، والدعاية من خلفهم تروّج لهم وتسوّق، ما جعل بالتالي الحياة المعاصرة تكتسب شكلاً عالمياً واحداً تقريباً في التفاصيل الحياتية كما في الفنون، والآداب، والثقافة اليومية. نعم، يمكن أن يؤدي الفيلم الأميركي إلى تغيير الصورة النمطية للثقافات الأخرى إذا كان يحتوي على رسالة إيجابية، وصادقة حول هذه الثقافات، فالفيلم الذي يعرض صورة إيجابية لثقافة معينة، ويعالج قضاياها بشكل موضوعي، وصادق، يمكن أن يساعد في تحول النظرة النمطية التي قد تكون لدى الجمهور تجاه هذه الثقافة، ويمكن أيضاً أن يساهم في تعزيز التفاهم، والاحترام بين الثقافات المختلفة، أو أن يقوم بعكس ذلك إذا كان القصد من ورائه هو الهدم لا البناء.
إن السينما الأميركية بما تمتلكه من قاعدة جماهيرية كبيرة في جميع أنحاء العالم، فإن بإمكان الفيلم الأميركي أن يؤثر على صورة الثقافات الأخرى في عيون الجماهير، ويشكل تأثيراً كبيراً في تحديد كيفية رؤيتها لهذه الثقافات.
ولكن على الجانب الآخر، يجب الحذر من الصورة النمطية السلبية التي يمكن أن يصورها الفيلم الأميركي لبعض الثقافات، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعميق المفاهيم الخاطئة حولها، وزيادة التحيز ضدها والتمييز، بل التنمر عليها، مما يستدعي من المنتجين، والكتّاب، والمخرجين أن يتعاملوا مع مثل هذه الموضوعات بحذر، ومسؤولية في محاولة لتجنب الصورة السلبية، وتقديم صورة موضوعية، وصادقة عن الثقافات المختلفة.
وفي نهاية المطاف لابدّ من القول إن الأمر يتوقف على النظرة إلى الثقافة الأميركية، وما تمثله السينما الهوليودية من قيم، ورؤى قد تبتعد عن ثقافات مجتمعات بعينها كالمجتمعات العربية مثلاً، والتأثر بما تطرحه إنما يعود إلى درجة الوعي، والثقافة التي قد تقبل، أو ترفض.