(لايف ستايل) كلمة أجنبية أصبحت تستعمل كثيراً في برامج تلفزيونية تعنى بالصحة، والجمال، وتحرص على راحة البال. وباتت تنطق بلغتها دون ترجمتها إلى ما يقابلها بالعربية أي (أسلوب حياة)، أو النمط الحياتي الذي يتبعه الفرد في طريقة عيشه، وتفكيره، وفي تعامله مع شأنه اليومي. هذا الأسلوب الحياتي الذي هو عادة ما يعكس العادات، والتقاليد، والقيم الأساسية التي تحكم سلوك الأفراد في مجتمعاتهم.. إلا أن هذا (اللايف ستايل) الجديد، أو الدخيل حتى باسمه الأجنبي يكاد يختلف على نحو ليس بالقليل عن أسلوب الحياة التي اعتدناها في مجتمعاتنا العربية، والنابع من البيئة، والمعتقد، والموروث الثقافي.
إنه التقليد إذاً لما يُصدَّر إلينا من الخارج فيستورده مَنْ يستورده اعتقاداً منه أنه إنما يسير في ركب الحضارة عندما يتبنى أنماط حياة ليست من نسيج بيئته الحاضنة، ولا نشأته، ولا أزقة المدينة التي يعيش فيها، وطراز بنائها لأن هذه العناصر مجتمعة تشكل خصوصية العيش في أمكنة، ومجتمعات بعينها.
لقد أصبح تقليد الغرب في أساليب الحياة اليومية من الظواهر الشائعة في العالم العربي، وخاصة بين فئة الشباب، والأجيال الصغيرة، وأكثر ما يتجلى هذا في موضة الملابس، والمظهر عموماً، والموسيقى، ووسائل الترفيه، وحتى في المأكل، والمشرب. قد يكون لبعض من هذا التقليد فوائد، وإيجابية كاعتماد أساليب صحية حديثة في الغذاء، أو ممارسة الرياضة في سبيل اللياقة البدنية، والمظهر الأنيق واللائق، أو الاهتمام بالتطور التكنولوجي، أو السفر، والجرأة على الخوض في تجارب جديدة لاكتساب مزيد من الخبرة، والمعرفة، والثقافة، أو تطوير بعض الأساليب والممارسات التقليدية، وتحسينها بما يتناسب مع متطلبات الحياة المعاصرة عوضاً عن إلغائها لصالح ما هو جديد أو التمرد عليها.. إذ لا مانع من التعددية الثقافية، والتنوع ما دام هذا الجديد لا يلغي سابقه، ولا يتجاوز على قيمه ومُثله، كما تقاليده، وأعرافه.
إن الإفراط في التقليد، والانجراف مع أمواج الموضة، والعصرنة السائدة دون فرز، وانتقاء سليم لها قد ينعكس سلباً على المجتمعات عندما يقوم أبناؤها بتبني الأساليب الغربية العصرية دون تحديد لما يناسب منها، وما يتعارض مع الممارسات المحلية، ودون تحقيق التوازن بين التقليد، والتجديد، أو الابتكار ليصل الأمر في نهاية المطاف إلى فقدان الثقافة المحلية، وإلى فقدان الروح التراثية الخاصة بالهوية، والانتماء، بينما المطلوب هو التطور المتوازن لتحسين جودة الحياة، وليس التخلي عن الأصول، والجذور.
لقد شجعت المواقع الإلكترونية وبرامج الذكاء الاصطناعي على موجة من التقليد الأعمى لبعض الاتجاهات، والسلوكيات، وطرق التعبير عن الذات لمن يقعون ضحايا شهوة الشهرة بعد أن أفسحت المجال واسعاً لنشر المحتوى التافه الذي لا قيمة له، وهو يغزو العقول رغم ضحالته مخلفاً وراءه مشكلات جديدة تستدعي إسعافاً سريعاً لمن ينساق وراء ذلك من قِبل القائمين على العلوم الاجتماعية، والطب النفسي قبل أن تتفاقم الآثار السلبية على الصحة النفسية للأفراد، والجماعات.
وإذا كان أسلوب الحياة الغربي يتجلى أكثر ما يتجلى في المظهر، واللهو، والتسلية، فإن هذا لا ينفي أن له وجهاً آخر لا يبرز بالقدر الكافي لتقليده ألا وهو الاهتمام بالتعليم المستمر، والثقافة، والتطور العلمي، والاستفادة من التقنيات الحديثة في مجال الإبداع، والابتكار، وتطوير المهارات بهدف الارتقاء بجودة الحياة وزيادة الانتاجية في المجتمعات، وتحقيق التوازن بين العمل والحياة.
وما دام أسلوب الحياة الغربية يتناسب مع مفردات الحياة المعاصرة بما أفرزته من تقنيات فليس مستنكراً الاقتراب من الإيجابي منها، ولا ضير منه كنتيجة طبيعية للتطور بشرط احترام ثقافتنا عند تطوير ما يتناسب مع واقعنا، وصيانة لغتنا العربية والحفاظ عليها، والحصول على تعليم جيد ومتخصص في مجالات مختلفة، والاستفادة من التقنيات الحديثة في الحياة اليومية، وهذا بدوره يدفع للعمل الجاد، والتعرف إلى ثقافات أخرى للاستفادة من خبراتها، ومعارفها، وبهدف التعاون، والتفاهم، والإضافة بعيداً عن التقليد الأعمى لأسلوب الحياة الغربية الذي قد يؤدي إلى مشاكل وتحديات لا داعي لها.
وعندئذ لا نعود لنقول إنه (اللايف ستايل) الجديد، وإنما نسميه (أسلوب الحياة) العصرية الذي يتوافق معنا، ولا يسلبنا هويتنا.