ربما يثير العنوان الاستغراب..من باب السؤال:هل تنكسر الأرض ..؟ ببساطة قد يكون الجواب: نعم عند من يحول الأرض البور ويعمل على استصلاحها أي تحويلها من الموات إلى الحياة أرض صالحة للزراعة.
ولكن ما نذهب إليه في هذا العنوان مستل من دهشة طفل لم يتم الرابعة من عمره بعد..
حين كنا نعبر أطراف دمشق باتجاه القرية.. صيحة في أذني من حفيدي حيدر: جدو.. ليك حرام من كسر هذه الأرض.. لماذا كسروها..؟
كان ببراءة الطفولة يشير إلى ما تركه الإرهاب على الأرض والشجر والحجر.. هول دهشة الطفل من هذه الصور والتلقي الأول لآثار الخراب لا تتيح لك إلا أن تقول معه: حرام.. نعم حرام.. ولم نقطع مسافة بعيدة حتى ظهرت أشجار خضراء تحيط بجانبي الطريق.. سالت حفيدي: هل الأرض مكسورة هنا ..؟
رد ببراءة: (حلوة فيها شجر وعصافير وسيارات كتير وين رايحين..)؟
إلى القرى والمدن وكل يذهب إلى حيث يريد..
كنا بشوق أن نصل القرية لعل راحة من تعب وصخب المدينة تحل بنا ..
لكن الانكسار كان بعد أقل من ساعة.. لا ماء لا كهرباء لا خدمات.. هل تصدقون أن كل اثنتي عشرة ساعة يأتي التيار الكهربائي أقل من ربع ساعة..
وأهل القرى الذين كانوا حين يصنعون الخبز على التنور لا يشعرون بالرضى إذا لم يعبر أحد ما ويتناول رغيف خبز طازج ..
اليوم انقلب الحال تماماً أرغفة خبز معدودة لكل أسرة وإذا ما أتى زائر ما من مكان بعيد يشعر أهل البيت بالإحراج.. واجب الغداء سيكون ولكن كيف يكون على حساب أرغفة الأطفال.. ليس نقلاً عن أحد بل رأيت وسمعت من الشباب من يقول: والله ننام جائعين..
ريف سوري مهمل مهمش أقل مقومات الحياة فيه لم تعد موجودة.. أحقاً ليس بإمكان زيادة التغذية الكهرباء إلى ساعة كل ست ساعات وهذا قليل جداً ولكن المتعبين المرهقين من الوعود الخلبية يطالبون به..
نقلت تعبير حفيدي من الأرض المكسورة إلى الإنسان المكسور بيد الإهمال بيد من لا يرى إلا شوارع المدينة.. إنه الريف السوري بكل سورية مهمل ولكن الأشد إهمالاً وفقراً وعوزاً هو الريف الساحلي من حدود حمص إلى أقصى الشمال ..
وصرخة الشاعر الراحل عبد اللطيف إبراهيم أمام شكري القوتلي حين كان يزور الساحل ما تزال سارية المفعول ننقلها إلى الحكومة التي ..
يقول عبد اللطيف إبراهيم ؛
(هذي الجبال أساور عربية
صدئت وأغفلت الشام صقالها..)
ترى هل من يسمع.. الهزيمة قد تعوض بنصر لابد أن يتحقق ولكن الانكسار قد يكون نهائياً ومراً وقاسياً..

السابق
التالي