محمد شريف جيوسي ـ كاتب أردني:
التقارب السوري الأردني لا ينبع فقط من العلاقة الأخوية بين بلدين عربيين شقيقين بل أكثر من ذلك في مصلحتهما المشتركة في محاربة الإرهاب، وقد أتت زيارة وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي الأخيرة إلى سورية بعد انعقاد القمة العربية وعودة دمشق إلى مقعدها كدولة مؤسسة للجامعة، كما جاءت بعد ما حققته المصالحات الوطنية في الجنوب السوري مؤخراً من نجاحات، وتزامنت بعدها مع عمليات إرهابية محدودة هدفت إلى إعادة الفوضى إلى الأراضي السورية، لكن سورية تجاوزتها وهي اليوم على أبواب مرحلة جديدة من الاستقرار.
وأيضاً لا ننسى هنا أنه بالتزامن مع هذه التطورات فشلت تل أبيب في تحقيق أهدافها عبر قصف الأراضي السورية، وجاءت أيضاً بعد ما تردد عن عزم الولايات المتحدة الأمريكية تجديد أنشطتها العدوانية ضد سورية والمنطقة، وتزويدها داعش في قاعدة التنف ومخيم الركبان بمعدات عسكرية هجومية، فضلاً عن دعم ميليشيا “قسد” الانفصالية، وتكثيفها سرقة النفط السوري وتهريبه باتجاه قواعدها العسكرية في العراق.
ولا بد أن التقارب السوري الأردني سيثير استياء الجماعات الإرهابية والإخوانية في المنطقة، كما سيغيظ إسرائيل والمتعاملين معها، ويغضب الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ التي طالما حذر دبلوماسيوها العرب من أي تقارب مع سورية، ولم يقتصر الأمر على تحذير عمّان، وإنما تعداها إلى بلدان عربية وغير عربية عديدة، الأمر الذي أعاق استعادة سورية عافيتها وكامل ترابها الوطني، كما أبطأ إعادة إعمارها، بل وضيّق الحصار الأمريكي والغربي والدول الصناعية الكبرى والنيتو ؛ شروط الحياة اليسيرة التي أعتادها شعبها قبل سنوات الحرب الظالمة عليها.
لقد سُرّ الأردنيون كشعب كثيراً “لربما أكثر من السوريين” لدى تحرير الجيش العربي السوري جنوب سورية من التنظيمات الإرهابية ما أدى لفتح المعبرين البريين بين الأردن وسورية أواخر عام 2018، لكن جائحة كورونا أعادت إغلاقهما بعض وقت، ليعاد فتحهما ثانية، وسط ترحيب شعبي أردني وسوري كبير بدليل التدفق الشعبي الكبير جداً على المعبرين ما يفوق طاقتهما على الاستيعاب، الأمر الذي يستدعي العمل لتخفيف الازدحام الشديد عليهما، وانتظار ساعات تفوق وقت المسافة بينهما.
وقد تضرر الأردنيون كثيراً من إغلاق الحدود بين البلدين بين سنتي 2013 ـ 2018 زراعة وتجارة وصناعة وسياحة وعلاقات نسب وقربى جراء سيطرة العصابات الإرهابية على منطقة المعبرين، وأصدر تنظيم “الإخوان المسلمين” في الأردن قوائم تخويف للبعض في حالة زيارته لسورية، في تطابق مع حملة تخويف المستشار التجاري الأمريكي للمؤسسات الأردنية الكبرى، وبالتزامن مع عدوان صواريخ إسرائيل على سورية لثني من يرغب بالاستثمار فيها عن رغبته تلك.
لا شك أن اقتراب عمان من دمشق بات مطلباً شعبياً أردنياً في ظل تحرر دول عربية عديدة من العباءة الأمريكية، وفي ظل اختلاف ميزان القوى العالمي، كما ويتيح أيضاً هامشاً معقولاً للأردن لإعادة النظر بمعادلاته الاقتصادية المعتمِدة على المساعدات والمنح والقروض، التي تزيد من حجم مديونيته وتعمق شظف العيش لدى الشعب الأردني، بحيث توفر إعادة النظر بسياسات الأردن الاقتصادية الراهنة معطيات تتيح له استثمار موارده بشكل سيادي مستقل يخدم مصالحه واستقراره الاقتصادي والأمني وثوابته الوطنية.
ودون أدنى شك فإن هكذا استدارة إن تحققت، ستعزز دور الأردن ومكانته، وستخدم في آن الأمة العربية وبخاصة دول الجوار العربي بما فيها سورية.
بكلمات؛ يخدم التقارب والتعاون والتعاضد والتنسيق الأردني السوري مصالح البلدين كدولتين شقيقتين وشعبين جارين على غير صعيد ويكفي لتأكيد ذلك الإطلاع على واقع العلاقات بينهما قبل الحرب الظالمة على سورية، حيث كانت العلاقات في تقدم مضطرد عاماً بعد آخر، وكانت نسب نمو العلاقات التجارية السنوية كبيرة، وتميل لصالح الأردن أكثر منها لصالح سورية، في حين كانت بعض الأقلام المعروفة تحرص على تأزيم العلاقات الجيدة لغير سبب، تمهيداً لما تم بعدها من كوارث في غير صالح البلدين والمنطقة العربية بعامة.
وفي الوقت الذي يعلق فيه الشعب العربي الآمال على تجذر العلاقات بيت عمان ودمشق، فإن البعض ما زال يأمل عبثاً تحقيق ما لم تحققه الحرب والحصار على سورية.
لكن ما يخدم البلدين هو رفع التمثيل الدبلوماسي الذي لم ينقطع بينهما رغم أسوأ الظروف.. وإعادة عمل اللجنة المشتركة الأردنية السورية، وتفعيل الاتفاقيات المعقودة أو تعديلها بما يقتضي الحال، وتحسين عمل المعابر بحيث تعمل على مدار الساعة، وتحقيق التكامل الاقتصادي وبخاصة الزراعي والسياحي، وتعزيز التنسيق المشترك في مقاومة الإرهاب وتهريب المخدرات وتجارة البشر وتبييض الأموال والجريمة المنظمة.
كما يستوجب ذلك دعم عربي واسع لوضع حد للحصار الاقتصادي على سورية ومقاومة الضغوط والابتزاز التي تحول دون تيسير عودة المهجرين السوريين إلى وطنهم، ومنع الاعتداءات الإسرائيلية والتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية وانسحاب أمريكا وتركيا من مناطق احتلالهما في سورية، وبذلك وحده يعم الأمن والسلام والتنمية سورية والأردن والمنطقة العربية.