قد لا تصدقون أنني أخشى الكتابة، وأخاف الوقوع في الخطأ، وأتهيب أمام الكثير من المصطلحات والتعابير الشائعة والمتداولة خشية استخدامها في غير موقعها .. فبعد أربعة عقود في بلاط صاحبة الجلالة لم أتوقف فيها يوماً واحداً عن الفعل الصحفي كتابة أو قراءة أو حديثاً ومتابعة لوضع الصحافة والإعلام، إضافة إلى التدريس والتدريب، بمعنى أن التركيبة اليومية لحياتي كاملة الصحافة والكتابة، ورغم ذلك أراني حين أمسك القلم أو أستعد للنقر ولمس شاشة الآيفون استعداداً لكتابة مقال صحفي تراودني فكرة تتكرر دوماً وهي أنني لا أعرف الكتابة ولا أحسن التعبير وأن الصحافة ليست مهنتي، فتراني أقيس كل حرف بمسطرة دقيقة وأزن كل كلمة بميزان الذهب، لأن الكلمة أمانة وقيمة عالية، فأشعر أنني أمام امتحان لم أستعد له بما يكفي.
كانت الكتابة رفيق دربي منذ أن عرفت كيف أمسك بالقلم الرصاصي وأستخدم المبراة والممحاة على سطح الورق المسطر وأخط حروفاً غير متناسقة الأبعاد وأنطق بها بصوت عال متلقياً تصحيح اللفظ من تلك المعلمة الجميلة ذات العينين الخضراوين ، التي كنا كأطفال نتابع كلمات الغزل التي يلاحقها بها ذلك المعلم الوسيم الذي نخشى سطوته في باحة المدرسة وهو يحمل بيمينه تلك العصا، يرفعها ويلوح بها ويرسم عليها أسماءً مختلفة تصبح نسبتها ما بين العصي الكثيرة التي يحافظ عليها المعلمون كجزء أساس من الاحتياجات التعليمية.
يومها أدركت أنني أتلقى شكل وطبيعة الحرف، وأجد صعوبة في تعلمه، وهي حالة أعيشها مع كل مشروع كتابة يومي، فكأنني أكتب لأول مرة، وأخشى انتقادات وملاحظات القارئين قبل العارفين، وهي الحال المستمرة دون انقطاع لعلمي أن القارئ والمتابع على معرفة ودراية واطلاع بكل ما أكتب، ويزيد عليها الكثير، بينما أخوض أنا في جانب ضحل من معارفه وعلومه، وأسعى أن لا أقع في الخطأ في ذلك الاختبار الصعب.
إنها المهمة الصعبة والخيار الأصعب حين تختار الكتابة مهنة تعتاش بها، تقع تحت تأثير خيالاتك بممارسة دور الناصح والمرشد والعارف، لتكتشف بعدها أنما أنت ما زلت تحبو في غياهب المعرفة ومتاهة العلوم، وأراني أستعيد ذلك الطفل محاولاً الوقوف والبدء بخطوته الأولى، فهل يستطيع ؟.