أديب مخزوم:
اتخذت مديرية تربية دمشق قراراً بتسمية المركز التربوي للفنون في منطقة ( الشاغور) باسم الفنان التشكيلي الراحل عبد اللطيف الصمودي، الذي يعتبر من الجيل التجريدي، الذي ساهم منذ منتصف السبعينات، بتكريس موجة الحداثة التشكيلية، حيث أقام أكثر من 21 معرضاً فردياً في عواصم ومدن عربية وعالمية، إلى جانب مشاركاته في العديد من المعارض الجماعية الداخلية والخارجية، ودوره في تنظيم العديد من البيناليات الدولية التي أقيمت في الشارقة، وعمله بدائرة الثقافة والإعلام في الإمارات، حيث قام بدور إيجابي في تحقيق العديد من المعارض والتظاهرات الفنية.
وكان معرضه الفردي الأخير في دمشق بصالة المركز الثقافي الفرنسي، حيث تضمن مجموعة من اللوحات الجدارية، التي اعتبرت بمثابة استعادة لتجربته مع اللوحة الشرقية القريبة من أجواء البسط والسجاد.
ولقد عمل على إيقاظ الزخرفة السجادية القديمة التي تنتمي إلى عصور المتعاقبة، كانت تقام فيها معارض لفنون السجاد، من خلال دمجها بإيقاعات بصرية حديثة غير محتقنة من الداخل، أي قريبة من لغة العواطف والانفعالات ومرتبطة بتوجهات اللوحة التشكيلية الحديثة والمعاصرة. فقد شكل معرضه الأخير عودة لجمالية اللوحة الجدارية التي يمكن تنفيذها على الأقمشة الدافئة (السجاديات) حيث عرض لوحات كبيرة جعلها متدلية في فضاء الصالة بدون إطار وبالتالي جعلها تتمتع بحيوية التنقل والتداول من مكان لآخر بطريقة لفها كالسجاد تماماً.
وهذا الهاجس التشكيلي المتحرر شكل مجالاً اختبارياً متبدلاً للون والإيقاع والحركة ووصل حدود استخدامه لمساحات كرتونية مزخرفة مقصوصة وملصقة على اللوحة، وهذه التقنية شكلت أيضاً عودة إلى الوسائل التعبيرية التي استخدمت في الفن الحديث منذ أيام جورج براك الذي كان من أوائل الفنانين الفرنسيين المجددين في هذا المجال.
وإذا كان الصمودي قد استخدم التشكيل الزخرفي الهندسي المتحررة في بعض لوحاته فإنه في بعضها الآخر قد جرب احتمالات الزخرفة اللونية العفوية، حيث كان بين الحين والآخر يتجاوز الخطوط والزوايا والمربعات، ويركز اهتمامه على زخرفة كامل مساحة اللوحة بضربات ولمسات وحركات لونية بعيدة عن الرزانة والتناظر الهندسي.
وكانت الإشارات الزخرفية المحلية والعربية تطل وبشكل دائم في لوحاته لبلورة سلوكه الفني المغاير عبر اللجوء إلى اللمسة العفوية، التي كانت تستعيد بوضوح علاقة الفن بالتراث الزخرفي، الذي يشكل أحد المظاهر الرئيسية للتعبيرية المشرقية.
وهذا ما جعل أعماله تلتقي في نهاية المطاف مع بعض تيارات المدرسة الباريسية التي بدأت في العام 1916 في إنتاج أشكال سجادية حديثة تطورت على يد الفنان الفرنسي جان لورسا، وأثارت انتباه العديد من الفنانين المعاصرين في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ثم انتقلت إلى الفنون العربية التي حملت في تكاوينها التشكيلية مظاهر المزاوجة ما بين الفنون السجادية الحديثة والعناصر الزخرفية الشرقية، وهذا يعني أن أعماله قد عبرت عن تطلعات الحداثة في الجمع ما بين العناصر التشكيلية القديمة والمعاصرة ومنحت العين ايهامات سجادية، أي جعلت المشاهد الذي يرى الأعمال من مسافة بعيدة يعتقد أنه في معرض للسجاد،
وإذا كانت بعض أعمال الصمودي قد ارتكزت على الزخرفة الهندسية الشرقية فهذا لا يعني أنها وقعت في إطار الصياغة الصارمة التي تحيط برؤية تفاصيل سجادة أو زخرفة قديمة، فقد كان يمتلك حساسية بصرية وروحية عالية تجعله قادراً على إضفاء المزيد من الإيقاعات اللونية العفوية، التي تتجاوز العناصر التزيينية وتمنحه دلالات الوصول إلى اللغة المتجددة والحية التي برزت كإيقاعات بصرية غنائية.
وهذا يعني أنه كان يعيد صياغة الزخرفة السجادية بإحساس عفوي يذيب التكاوين الهندسية الباردة، ويكشف بالتالي عن روح الحركة اللونية الحية الحاملة فسحة تعبيرية ذاتية تروي حكاية الرغبات والأحاسيس بلمسات متتابعة ومتجاورة ومتداخلة تعطي الأهمية الأولى للحن اللوني البصري، المتغلغل في فراغ السطح التصويري أو في مساحة اللوحة.
وإذا كان لم يهتم بإبراز التناظر الهندسي المتبع في الزخرفة العربية فهذا لم يمنعه أحياناً من تقديم أجواء لونية زخرفية متوازنة في تشكيلها البصري والروحي، فالتوازن عنده كان يتأتى من خلال وضع اللمسة اللونية العفوية وموازنتها مع الأخرى، وليس من خلال المعالجة العقلانية التي تنسج المساحة الصافية والدقة الهندسية الباردة. ولقد ذهب إلى إضفاء حركة إيقاعية زخرفية لا نجد فيها أي مساحات لونية واسعة وصافية، وفي هذا الإطار استفاد من الفنون الشرقية في نزعتها الزخرفية ومن المنمنمات الإسلامية في عملية إنماء الإحساس بالاناسة فالفن الإسلامي هو فن أناسي يخاف من الفراغ ويتجه إلى الإغراق في نسج الزخارف الصغيرة والتفاصيل الدقيقة.