كلما زرت قريتنا الجبلية لا أجد نفسي بعد ساعات إلا وأنا أتجه إلى مرابع اليفاعة تحت فيء أشجار التين والتوت التي كانت ومازال بعضها يشكل غطاء أخضر للقرية.
في قريتنا وكما معظم القرى أشجار التين على جانبي الطريق بعضها تجاوز عمره قرنا من الزمن هرمت الجذوع ولكنها أعطت فروعاً جديدة بدت الآن شابة قوية.
من يشته فليأكل ما يريد بل يمكنه أن يحمل إلى أسرته في الصباح أو المساء من تينها …صحيح أن لكل شجرة صاحباً لكنه نذرها للجميع.
تحت هذه الأشجار كان شباب القرية الذين نهضوا بنا في مراحل الدراسة يقيمون دورات تعليمية مجانية للجميع.. لبيب حجة والراحل نجيب علي للرياضيات ..فوزي زينة وحسن العلوني للغة الإنكليزية ..وأديب علي سلوم للغة العربية مع نديم حجة.
شكلت هذه الجلسات كتاتيب مبكرة وغذت ثقافتنا ونشطت روح الجماعة بين الجميع.
وكل أسبوع يتغير مكان الجلسة، مرة تحت تينة( شعبان علي أسعد ومرة تحت شجرة وسوف ومرات تحت الخلف الأحمر ..وحين يتكاسل البعض تحت توتة علي سلوم …).
اليوم ثمة حنين جارف إلى تلك الأيام ليس من باب ( ألا ليت الشباب يعود يوماً..) وإنما من باب شهامة وتعاون الجميع ..تعليم الكبير الصغير ومن دون مقابل ولو كانت هذه الدورات الآن لكلفت وفق جنون الدروس الخصوصية مئات الآلاف…
لقد تغير كل شيء وضاقت الأخلاق وليس الإمكانات ما أحوجنا إلى جيل يرعى ويوجه ولو تحت شجرة التين أو التوت أينما كان المكان نريد عودة صناعة الوعي.
التالي