الملحق الثقافي – حبيب الإبراهيم :
بالرغم من تباين وجهات النظر بين النّقاد حول بعض المصطلحات التي تنتشر عبر وسائل الإعلام أو الدراسات النقدية مثل :الأدب النسوي ، أدب الأطفال، أدب اليافعين، أدب الشباب و…إلا أن ادب الشباب هو الأكثر تناولاً، وتتباين الأراء حول ماهيته ومضامينه،الشريحة العمريّة التي تنتجه،لكن ثمّة إجماعاً على أن المصطلح في رأي الكثيرين يعني البدايات الأولى في الكتابة والإبداع لدى الموهوبين والذين يتلمسون طريقهم وبحاجة إلى التقويم والتوجيه والأخذ بأيديهم وتشجيعهم سواء بفسح المجال أمام كتاباتهم للظهور عبر الوسائل الإعلامية، وخاصة المقروءة، وضمن هذا التوجه لجأت الكثير من الصحف والمجلات، والتي كانت تصدر ورقيّاً إلى تخصيص صفحة أسبوعيّة أو شهريّة أو ملحق أسبوعي أو شهري يحتضن نتاجات الادباء الشباب بمختلف الأجناس مع نافذة توجيهية للمحرر المشرف على هذه الصفحة أو ذاك الملحق. لقد استقطبت تلك الصفحات أسماء أدبية يافعة تمتلك موهبة واضحة ، ناضجة إلى حد كبير، وهذا يبدو جلياً من خلال ما يُنشر من شعر وقصة وخاطرة ومقالة ورؤى نقدية تدل على امتلاك الكثيرين ناصية الكتابة والتمكن من أدواتهم الإبداعية. وهنا لا بد أن نشير إلى التجارب الرائدة للصحف المركزية (الثورة ، البعث ، تشرين ) وصحف المحافظات والتي خصصت كل منها صفحة أسبوعية يلتقي فيها الأدباء الشباب، تتقاطع أفكارهم ورؤاهم ويبوحون بما لديهم، هذه الصفحات على اختلاف مسمّياتها من (نادي الأصدقاء، على دروب الإبداع، أدب الشباب ، أقلام واعدة ،…استطاعت أن تقدّم اسماء عملت بدأب على المثابرة وصقل التجربة بالمزيد من القراءة والمتابعة والاستماع إلى تجارب الأدباء المتمرسين في الكتابة والأخذ بملاحظاتهم وتوجيهاتهم، مما زاد في نضج موهبتهم وتجربتهم الإبداعية. ولا بد أن نشير هنا إلى وجود كتابات ناضجة وذات مستوى فني رفيع كان أصحابها ينشرونها في تلك الصفحات وفي بعض الأحيان تشكل حالة نوعية تفوق من هم أكثر خبرة وتجربة. وبالرغم من مرور عقود على هذه التجارب سواء في جريدة الثورة والبعث وتشرين فلا يمكن أن ننسى تلك الأسماء التي حجزت لها مكاناً، إلى جانب أسماء كبار الأدباء والشعراء والإعلاميين . وأرجو ان تسعفني الذاكرة لأذكر من تلك الأسماء، والتي بدات مسيرتها الأدبية أوائل الثمانينيات من القرن الماضي وأصبحت ذات شأن في المشهد الثقافي على مستوى سورية والوطن العربي . وهنا أذكر من الشعراء والكتاب ايمن إبراهيم معروف ، غسان كامل ونوس ، جاك صبري شماس، نصر سعيد، زكريا مصاص، شلاش الضاهر.. وغيرهم ممن كتب ونشر في تلك الصفحات والتي تعتبر مدرسة قدّم المشرفون عليها خلاصة تجاربهم الادبية والإبداعية . ولعل تجربة ملحق الثورة الثقافي في استقطاب الاقلام الواعدة ، والمواهب الشابة، من أغنى التجارب في مجال رعاية الأدباء الشباب، والتي ما زالت مستمرة حتى الآن، وشكلت حافزاً مهماً للموهوبين في المتابعة والاستمرار، وتقديم المنجز الأدبي بروح من المسؤولية والحس الفني المرهف . كما ان تجارب صحف المحافظات والتي تصدر عن مؤسسة الوحدة شكلت أيضاً دافعاً مهما للأدباء الشباب على مستوى المحافظة والمحافظات الأخرى، والذين يرسمون طريقهم الأدبي بثقة ، من خلال استقطاب كتاباتهم بمختلف الاجناس الادبية من شعر ،قصة، مقالة ، خاطرة،..وتقديمها للقراء والمهتمين بفرح، وهنا أذكر تجربة صحيفة الفداء التي تصدر في حماة وتخصيصها صفحة أسبوعية تصدر يوم الخميس باسم (أدب الشباب ) والتي تناوب في الإشراف عليها الزميل الراحل القاص رياض محناية ، والزميل الشاعر رضوان السح، حيث قدّمت العديد من الأسماء والتي أصبح لها حضور لافت ومميز على الساحة الثقافية. إضافة إلى تسليط الضوء على تلك المواهب وإجراء حوارات ولقاءات معها والإضاءة على تجاربها الفتيّة . وخلال مسيرتي الأدبية والتي كانت في أوائل الثمانينيات نشرت في صحف الثورة والبعث والفداء، واستمرت المسيرة لننشر بعد سنوات من نضج التجربة في الصفحات الثقافية إلى جانب أدباء كبار ، وكتابة الزوايا واعمدة الرأي والدراسات الأدبية والنقدية والحوارات مع أدباء وشعراء لهم تجربتهم الإبداعية وحضورهم المميز في المشهد الثقافي السوري .. إن الاهتمام بأدب الشباب مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع من وزارات وهيئات ومنظمات شعبية ، ولعل مسؤولية وزارة التربية في المقدمة من خلال كشف المواهب وتشجيعها وصقلها بالدورات والمسابقات بالتعاون والتنسبق مع منظمة اتحاد شبيبة الثورة واتحاد الكتاب العرب وإتاحة المجال أمامهم للظهور واعتلاء المنابر من خلال المهرجانات والأمسيات ،… ولعل تجربة اتحاد شبيبة الثورة في رعاية المواهب الأدبية الشابة من التجارب الرائدة في كشف وتشجيع أدب الشباب من خلال إتاحة الفرصة أمامهم لنشر نتاجاتهم عبر جريدة (المسيرة) الأسبوعية،أو بإجراء المسابقات الأدبية بدءاً من المدرسة مروراً بالرابطة والفرع وصولاً للمركز، وقد أتيح لي بحكم مهمتي في أمانة رابطة المحروسة وعضوية قيادة فرع الشبيبة، رئيساً لمكتب الثقافة والإعداد والإعلام بحماة أن نعمل ضمن هذا المسار في كشف المواهب الأدبية وتشجيعها والأخذ بيدها وتامين المطارح المناسبة لممارسة تلك المواهب من خلال المناشط الشبيبية الثقافية والمشاركة في المسابقات والمهرجانات على مدار العام. وفي خطوة لتشجيع الفائزين بالمسابقات الأدبية على مستوى القطر والاحتفاء بكتاباتهم ،قامت قيادة المنظمة بطباعة تلك الأعمال سنوياًعبر كتاب (الأدباء الشباب) حيث يتم توزيعه على فروع وروابط القطر . ولا يمكن أن ننسى ونحن نتحدث عن أدب الشباب، أن نشير إلى تجربة جريدة (الأسبوع الأدبي)والتي تصدر في دمشق عن اتحاد الكتاب العرب،واهتمامها بالمواهب الأدبية الشابة ونشر نتاجها من خلال (اصوات شابة ) والاخذ بيدها وتشجيعها لمواصلة مسيرة الكتابة والإبداع، وإقامة المسابقات الأدبية السنوية الخاصة بالأدباء الشباب في مجالات الإبداع من شعر وقصة ورواية ومسرح و..
وذلك على مستوى المركز والفروع ، وتكريم الفائزين عبر حفل يقام لهذه الغاية . تظل دروب الإبداع وعرة المسالك ، لكنها تحتاج إلى الدعم والتشجيع بعيداً عن وصاية (الكبالر ) وبعض العقد والأراء التي يتمترسون خلفها بذرائع أن الشباب أكثر تمرداً ونسفاً للتقاليد و….وما يكتبه الشباب في سني عمرهم الادبي ربما يفوق الكثير من (عتاة) الأدب ولعل تجارب كل من الشاعر الشابي ، جبران ، السياب ، أمل دنقل اكبر دليل على أن مسألة الإبداع لا تقاس بعمر محدد ..؟! بل ترتبط بالموهبة والدربة والمثابرة وتاتي الخبرة لاحقاً. أخيراً يمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت للكثير من الموهوبين وإنصاف الموهوبين وغير الموهوبين الظهور ونشر ما يكتبونه بعيداً عن أي تقييم فبتنا نقرأ منشورات عبر صفحات شخصية ، أو حتى نوادي وملتقيات ومنابر ادبية فيها اخطاء نحوية وإملائية وإسفاف في اللغة فاختلطت الأوراق وبتنا نترحم على ايام الصحف الورقية وضبطها لإيقاع النشر واستبعاد الغث وعدم السماح له بالظهور وتشويه الذائقة الادبية للقارئ ، ومع ذلك ثمة اسماء ظهرت لها تجربتها وحضورها ومشروعها الأدبي وهي تستحق كل الثناء والتقدير والاخذ بيدها إلى مدارج الإبداع .
العدد 1153 تاريخ: 1/8/2023