الثورة- صلاح سرميني – باريس:
قبل الحديث عن «Cinematon» للسينمائيّ الفرنسيّ جيرار كوران، يتوّجب الإشارة إلى «Photomaton»، وهو اصطلاحٌ مُركبٌ لغوياً للإشارة إلى عموم الأجهزة الآلية للتصوير الفوريّ المُنتشرة في محطّات القطار، المترو، والمراكز التجارية.
ومنذ وقتٍ مُبكر، أثارت اهتمام الحركة السوريالية الفرنسية، حيث استخدم روّادها نفس النظام لإنجاز واحد من البورتريهات الجماعية الأكثر شهرةً، وبالتحديد، تلك الصورة المُركبة التي أنجزها رينيه ماغريت لأصدقائه بعد أن دعاهم لالتقاط صور شخصيةً عن طريق الجهاز وعيونهم مغلقة، ومن ثمّ أحاط بها لوحةً له بعنوان «المرأة المُختفية». بينما استخدم الكثير من الفنانين التشكيلييّن هذه الطريقة التعبيرية، كحال الرسام والكاتب الفرنسي رولان توبور مؤلف عدد من الأعمال تحت اسم (Topor-matons).
كما استوحى أندي وارول فكرة تعدّد الصور في صورةٍ واحدة، واستخدمها في الكثير من أعماله، وخاصةً بورتريه لمارلين مونرو . وفي السينما ظهر هذا الجهاز عام 1936 في الفيلم الفرنسيّ «Samson» لمُخرجه موريس تورنور، ولكنّه حظيّ على دورٍ جوهريّ في «المصير الرائع لإميلي بولان» لمُخرجه جان بييّر جونيه.
وفي حياتنا اليومية، عاش مُعظمنا تجربة الدخول إلى إحدى كبائن التصوير الفوريّ الصغيرة، وفيها يُمكن لشخصٍ واحدٍ، أو أكثر التقاط صور بحريةٍ تامّة، وتثبيت حالةٍ من الهزل الفرديّ، أو الجماعيّ، وتحويلها إلى «طرفةٍ بصرية» عند مُشاهدتها مع أفراد العائلة، والأصدقاء.
بدوره، كسينمائيّ مُختلف، التقط الفرنسيّ جيرار كوران طقوس هذه الحالات السلوكية الآنيّة، وحرية أن يفعل المرء ما يشاء أمام الكاميرا، وأوحت له بفكرة «Cinematon»، عملٌ يجمعُ بآنٍ واحدٍ تناقضاتٍ، وتوافقات، ويُعتبر حالةً فريدةً في الإبداع الســــــــــــينمائيّ، تاريخ الفنّ المُعاصر، وعلم النفس. وفي عام 1978، بدأ بإنجاز هذه الانطولوجيا السينمائية الأشهر، والتي ترتكزُ على تصوير شخصياتٍ فنية تُواجه جميعاً نفس القواعد:
لقطةٌ كبيرةٌ صامتة، وثابتة من دون أيّ حركة كاميرا، وبمدةٍ زمنية 3 دقيقة، و20 ثانية وهي المدة الزمنية لعلبة شريط الخام لكاميرا سوبر 8ـ، وخلالها تفعل الشخصية ما تشاء أمام الكاميرا ويُعتبر «Cinematon» مُصطلحاً مُذكراً تمّ اشتقاقه من تلاعبٍ لفظيٍّ بين كلمتيّن:
ـ (Cine)، وهي اختصارٌ لـ (Cinéma).
ـ و(Mater)، وتعني في اللغة الفرنسية العامية «المُشاهدة بتركيز»، أو «التحديق» بشهوةٍ، ورغبةٍ عارمة، وأيضاً، مُراقبة حراس السجون للسجناء من فتحة باب الزنزانة.
ومنذ البورتريه الأول وحتى اليوم، هناك 3165 شخصيةً منحت نفسها لهذه اللعبة السينمائية، منها 33 شخصية سينمائية سورية «صلاح سرميني، مراد شاهين، أيمن زيدان، نضال قوشحة، جود سعيد، يزن انزور..» .
كما أوحت «Cinematon» بفكرة إنجاز دزينةٍ من السلاسل السينمائية، والتي لاتزال جميعها قيّد التصوير: بورتريهات ثنائية، ثلاثية، جماعية، سينما، قراءة وحتى بورتريهاتٍ عن القطط، والكلاب وسلاسل أخرى «ترافلينغ للشوارع، من غرف الفنادق، محطّات، أماكن سكني، من سيارتي..»، بالإضافة إلى يومياته المُؤفلمة، وأفلاماً مضغوطة .