غسيل العقول..

نعيش في عالم سريع الإيقاع، ونتداول المعلومات بسرعة أكبر ذلك لأننا نتعامل مع كمية كبيرة منها في وقت قصير، ولهذا نلجأ إلى القراءة السريعة، وهو ما قد يجعلنا لا نحتفظ في الذاكرة بكثير منها، لقد تعلم أغلبنا مهارة القراءة السريعة، وبمعدل يتجاوز الطبيعي، وما يلزم المرء عادة من وقت مهما كان قصيراً ليستوعب ما يُقرأ، والسبب في ذلك ما وفرته شبكة المعلومات من منافذ للمعلومة عموماً، أما تقنية الانزلاق بين الجمل على صفحة جهاز ذكي فهي تؤدي إلى تركيز أقل، واستيعاب أقل، بسبب فقدان الصورة الكاملة، والتفاصيل المهمة لتصبح الأولوية للقراءة السريعة على حساب الفهم العميق، والتحليل الدقيق للمعلومة.

إن الصور السريعة، والنصوص التي تتدفق على الشاشات عند التصفح على شبكة المعلومات تؤدي من حيث ندري أو لا ندري إلى عدم تخزين المعلومات في الذاكرة بشكل دائم، وربما أدى تكرارها على هذا الشكل إلى ضياع الذاكرة على المدى الطويل.

وما دام الاستغناء عن القراءة التقليدية بطريقتها المعروفة قد أصبح سائداً، وتم استبداله بمرور خاطف على صفحات شبكة المعلومات فليس لنا سوى أن نترقب في المستقبل القريب أو البعيد نسبياً إصابتنا بعدم التركيز، وضعف الذاكرة، والتعب العقلي.. لا بل أكثر من هذا وهو غسيل العقول.. لنخرج إلى العالم من حولنا بعقول خاوية لا تحتفظ ذاكرتها إلا بما قلّ ودلّ من المعلومات، والأفكار.. وعند ذلك يا لسعادة من يتلقفنا ونحن نرد إليه بعقول مغسولة جيداً، كوعاء فارغ ينتظر من يحشوه.

والتطبيقات الإلكترونية التي تتزايد يوماً إثر يوم على المنصات التفاعلية تشجع دون هوادة لكل ما يمحو الذاكرة بحجة كسر روتين الحياة، أو التغلب على العزلة والوحدة، ما دامت فكرة العالم بين يديك وأنت تستطيع أن تستحضر أي جزء منه كما يحلو لك، وفي أي وقت تشاء، قد استقرت في الأذهان بطريقة مثيرة دوماً للشغف، والاهتمام لدرجة أصبحنا معها لا نطيق الابتعاد عن أجهزتنا الذكية ولو للحظة، فهي كأنما التصقت بأيدينا بينما رؤوس أصابعنا تفتقد العزف عليها في كل وقت، وحين.

فما بالنا إذاَ ونحن نخاف أن نصرف وقتاً، وجهداً نخصصهما للقراءة العاقلة، والعبارات الهادئة التي تضيف إلينا علماً، وفهماً، وتنمي قدراتنا، وتعلق بالتالي في ذواكرنا، ولا تستلب من عقولنا ليخرج المرء منها خالي الوفاض، وربما معذب الضمير لأنه أضاع مساحة من الوقت من أجل لا شيء يعود به، ولا شيء يعلق في الذاكرة سوى من بضع كلمات، أو ألوان، أو ومضات من صور.

وقد يقول قائل: لماذا نلوم شبكة المعلومات، وعملية القراءة السريعة؟ ولماذا نضع جلّ اللوم عليها بينما تغرقنا السينما، والدعايات المتلفزة، وفيديوهات الأغاني بلقطات سريعة كالبرق تومض أمامنا ونحن لا نكاد نلتقط صورتها بأعيننا قبل أن يترجمها العقل إلى المعنى المقصود منها؟ بينما الموسيقى تتلاعب بعواطفنا، وتحرض مشاعرنا تجاه صورة بعينها.. ألم يكن هذا هو التمهيد الحقيقي لغسيل العقول بتتالٍ سريعٍ لكل ما تسقط صورته في العين، أو يقع صوته في السمع؟

هل نحن مَنْ بات ينقصه النضج الكافي حتى يحسن الاختيار، أم أن الأساليب والتقنيات النفسية المستخدمة لغسيل العقول قد تطورت لتصبح على مستوى جماعي بعد أن تغيّرت كيفية عملها لتصل عبر منافذ الشاشات التي لم يعد الاستغناء عنها ممكناً؟ بل إن الأمر كذلك عندما تثبت في الذاكرة آراء، أو مقولات معينة بسبب تكرارها عبر شبكة المعلومات، أو المعلومات المغلوطة التي تصل من وسائل التواصل الاجتماعي، والدعاية، بأسلوب بسيط لا تعقيد فيه لتتم برمجتنا كما لو أنه لا يوجد لدينا خيار آخر، وكأن ما نسمعه، ونراه هو المقبول، والصحيح.

إن الحاجة الماسة للتحرك السريع، واتخاذ القرار الصحيح عوضاً عن القراءة السريعة ما بات يلزمنا للحفاظ على سلامة عقولنا لاهترائها بسبب الغسيل المتواصل لها، والتلاعب بها.

 

 

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة