الفقر ليس عيباً ولا عاراً على صاحبه أبداً.. بل كثيراً ما كنا نقول: لقد صنع منا الفقر الكثير ودفعنا لأن نعمل بكل جهد وقوة للفكاك من براثنه سواء بالدراسة أو العمل في الأرض.. المهم أن العمل أي عمل كان يجدي نفعاً.. وثمة ضمائر حية لا تعرف اللف أو الدوران.
لم يكن التاجر يضع التسعيرة كل ساعة ويبدلها وفق ما يسمونه “سعر الصرف الخبيث”.
روى لي أبي رحمه الله أنه كان في اللاذقية منتصف أربعينيات القرن الماضي… يريد أن يشتري كمية من القمح للمؤونة.. وحين كان يهمُّ بدفع الثمن سرت شائعة أن سعر القمح سوف ينخفض… نظر البائع إلى أبي، وقال له: أنت حرّ أن تدفع أو أن تنتظر الانخفاض.. ما تريده … لكن أبي دفع الثمن ومضى لبعض أعماله ليعود بعد ساعات ويستلم القمح من التاجر.. وإذ بالأسعار تضاعفت وارتفعت بدلاً من الهبوط .. قال أبي للتاجر: خذ ما تريد زيادة.. ابتسم الرجل، وقال: سأبيع كل ما عندي على السعر القديم.. وأخبر من تراه ويريد القمح أن يأتي.
مقارنة بما كان أمس زميلة روت لنا أنها اتصلت للسؤال عن سعر شاحن للمحمول.. أتاها الجواب: كذا.. فقط استغرقت مسافة الطريق.. وإذ بالسعر قد تضاعف.. وكان الجواب أنه بعد أن اتصلت ارتفع السعر.
هل تصدقون أن معظم المحال التجارية أخفت ما لديها، وأنك إذا اشتريت سلعة بسعر محدد صباحاً لن تجدها بالسعر نفسه مساءً.
إنها أزمة أخلاق وضمير مجتمعي الكل مسؤول عنها من الأسرة إلى الحكومة التي لا تفعّل قانون العقوبات التموينية.. ماذا لو أن العقوبات الصارمة تتخذ بحق من يتلاعب بلقمة العيش.
نعم كنا فقراء ومازلنا ولم يكن الضمير غائباً.. لم تكن لوثة الدولار وجشع المال هكذا.. الضمير نائم وإلى أن يستيقظ لابد من سيف الرقابة، لابد من عدالة يطبقها القانون ،وليكن ذلك جهراً.
ولكن ثمة من سيقول إذا كانت السورية للتجارة مثلاً قد رفعت أسعارها ثلاث مرات خلال أسبوع، وأخفت موادها فماذا عن الآخرين.. وهي تدّعي التدخل الإيجابي؟!.