الثورة _ هفاف ميهوب:
المثقف والأديب الحقيقي، هو الذي يبقى شاهراً كلمته، سلاحاً يواجه به أعداء وطنه وكرامته، مثلما الأفكار والمعتقدات المدمّرة، وسواء التي يصدّرها هؤلاء الأعداء لمجتمعه، أم التي تكون نابعة من جهلٍ موروث، يتفاقم مع الأزمات وقلة الوعي، وعدم وجود عقول فاعلة في ردّ الجهل وظلمته..
إنه ما دفع الأديب الليبي “الصادق النيهوم” لتحذير أبناء بلده، من كلّ من تأبّط جهله، ومضى ينشر أفكاره ومعتقداته الهدّامة.. يحذّرهم في كتابه “تحية طيبة وبعد”، وعبر رسائلٍ عديدة، منها هذه الرسالة:
“الجاهل لا يرفض حقائقك، لأنه يكره الحقائق لحساب الشيطان، بل لأنه لا يستطيع أن يترك عالمه لحسابِ حقائقك.. إن ذلك يبدو له، مجرّد دعوة للمشي في جنازته”..
لا يكتفي “النيهوم” بتحذير مجتمعه من الجاهل ورفضه للحقائق، بل ومن المشكلة الأخطر التي تبدأ من كلمة الجهل، ومن كون المواطن لا يسيء فهم هذه الكلمة فحسب، بل ولا يفهمها لطالما، دخلت إلى قاموسنا المعاصر بمثابة ترجمة لكلمة “الأميّة”..
“دخلت من لغاتٍ أخرى، وترسّخت في ذهن مواطننا بهذا المعنى الضيّق، إلى أن بات لا يرى، ثمّة ما يدعوه لمراجعة هذا الخطأ”…
تتوالى رسائل “النيهوم” ليس فقط لأبناء شعبه، بل ولجميع أبناء أمّته، وعلى مدى ترحاله ما بين مشارق الأرض ومغاربها، وتعمّقه في دراسة الأديان، ومعرفة سمو وأخلاق حقيقتها.
لقد أصرّ على الاستمرار في رسائله هذه، بعد أن رأى أمراض الجهل تستشري، فتشكّل خطراً يشبه الخطر الذي يفتك بالمجتمع، نتيجة الأمراض العقلية التي تغيّب عقل المصاب بها، وتُضخّم أناه.. المختل الأعمى الذي يظنّ أنه محور الكون، دون أن يتنازل عن ظنّه هذا، فإن تنازل رأى، وإن رأى اتّزن وفقد عماه..
كلّ هذه الرسائل، ولا جدوى، ما جعل “النيهوم” يشعر باليأس من إيجادِ حلٍّ للخلاص من هذا الوباء ـ العماء.. يقرّر أن يبتعد، دون أن يتوقف عن التأكيد:
“الجاهل مثل ساعة مليئة بالأوساخ، وتشير عقاربها إلى منتصف الليل.. إنه يعيش متأخراً بضع سنوات، وأحياناً بضعة قرون، دون أن يهمّه أن العالم حوله، لا يتحرّك طبقاً لتوقيته الرديء.. إنه شبح من مذبحة الماضي، وراء قناع مواطن معاصر.. بل حارس مقبرة، لا يراها إلا عقله الجاهل”..
