قدر ووجود

الملحق الثقافي- نهله البدوي:
كنت أكتب ولم يقرأ لي أحد، وعندما بدأت الناس تقرأ لي ..لم أعد أشعر بالغربة «وليم سومرست موم «
*الكتابة ليست بعثرة حروف على الورق، هي بيوت مسكونة بصمت وضجيج، بكاء وأنين، فرح وغبطة ..كلمات تنزف احتراقاً ليكون رمادها حبراً يقول ويغني لمن أصاغ السمع بنبل الإنسانية.
هي فضفضة من نوع آخر، نكتب ونقرأ بقواسم مشتركة لذات تستحضر من ذاكرتها حنيناً يجمع الفصول كلها في لحظة لم تنس ولن تنسى.
هي رسائل لأصحابها عبر ممرات ضيقة لزاجل لم يعرقل تحليقه ضباب كثيف ولم ييأس ..فإن وصلت كان جميلاً وإن أخفقت كان جحيماً..
الكتابة رحلة استكشافية دائمة لكل المناطق الوعرة في الحياة الانسانية.. لتكتسب فعل المعجزة والخلود الكامن بالأبدية الثابتة.
نكتب حروفنا بأروع وسيلة للتعبير عن الحياة وقضايا المتناقضة، كونها تخلق توازناً معيناً تفرضه الأحداث بامتلاك مفاتيح لفضاءات تطرح رؤى جديدة للواقع باختلاف الحلول.
يقول أرنست همنغواي:ان الكتَاب كالآبار، فهناك الكثير منها يجف بحكم الاستخدام غير المدروس، وهناك آبار بينابيع غزيرة تظل دائمة الامتلاء وتتجدد عصارتها بشكل مستمر والكاتب الحقيقي لايجف، يبقى بحراً يرفد مخزونه بالجديد ولايكرر نفسه ولايتوكأ على أحد فيما يبدعه.
*سئل أحد الكتاب: لماذا تكتب?فأجاب لأحيا ففي ذلك متنفس أفضفض عما في قلبي لأصافح حلم الأمل.»
نكتب على مرايانا ونقرأ تعاريفنا وكثيراً مانكتشف معالم جديدة قادرة على اكمال عالمنا المليئ ببسطاء يحلمون بالسعادة رغم اصطدامها بواقع بائس يائس متهور فاصل بين حياة وموت لحظة انفجار وعي الذكريات.
*»ماولد أدب بحق إلا وكان وراءه نزعة دفينة من تغير الواقع من حال الى حال أفضل «
ويقول العقاد: ستبقى الكتابة ذات جدوى لأنها إبحار في جوهر المعاني وحقيقة الكائنات وسبر حقائق الكون والوجود والبحث عن اللغز الأكبر .لغز الإنسان والكون «
وتوفيق الحكيم قال:
مانكتبه اليوم ماهو إلا محطات صغيرة نجتازها أثناء السفر في طريق الأدب ولاينبغي ان نقف عندها أو نرجع البصر اليها..مايهمني الآن هو المحطة التي بلغتها اليوم والمحطة التي أريد أن أبلغها غداً، إني في كل محطة يخيل إلي أني في مبدأ الطريق».
وديستوفيسكي مازال مصراً على تسجيل حياة الانسان.
والقيمة الحقيقية في الكتابة تكمن في القدرة على تقمص كل المشاعر في كل الحالات، فمن غير المعقول أن يخوض الكاتب كل التجارب التي يتحدث عنها ..
نعم ..الكتابة مدعوة إلى الإصلاح من خلال الحماسة للكثير من القضايا ليقول الكاتب أنه موجود ويبحث عن التعاطف والإحساس الإنساني بالكتابة عن القضايا الكبرى كالحياة والحلم والطموح والحب والخيانة والعدالة والضمير، حيث لايكتب الكاتب خراب نفسه فقط إنما يكتب خراب الكون كله.
الكتابة قدر ووجود ..
*نكتب فوضى حواسنا وترانا ننحاز دائماً إلى أعمالنا وإلا لما كتبناها أصلاً..نكتب لنعيش بنسغ الوقت ونترك أحلامنا تستطيل على ضفاف الخيبات وأطراف مدنها المنهارة ونشيد فوق العدم بيوتاً لأسماء وشخصيات تأوي إليها وتغسل أرواحنا برذاذ الأناشيد الموسمية لفصول مزاجية ..لنسافر في الفرح والترح والكآبة والأمل ونبحر في الأزمنة وأبعادها المصابة بداء الحروب والفتن وموت الإنسانية.
نكتب الحياة في المقابر فتحيا الروح وتكمل مسيرتها نحو أفق آخر لاتمطر بالخيبات ..بل تومض بالأمنيات ..
*نعم ..نؤمن بالكتابة لأنها فعل حياة وقهر للموت كما قال الأديب الراحل سعد الله ونوس.
نكتب الفرح الذي مازال يقاوم غطرسة الموت الجماعي للقيم الكثيرة في الإنسان والإنسانية التي وحدها المسؤولة عند تدمير ذاتها.. نكتب الحياة رغماً عن الموت الذي زرعوه في أكمام وردنا وعلى وسائد أطفالنا وأراجيح حدائقنا وطرقاتنا ونوافذنا و…
نؤمن بالكتابة لأنها حدث عظيم في حياتنا ..قدر شاركنا في صياغته برغبة ومشتهى..وكانت بداياتي مع القلم بقصة « القبعة الزرقاء»علاقة شائكة، مربكة، مقلقة، مريحة،صراع دائم بين جد ومزاح، بين دهشة وغبطة، بين حرب استنزافية بلانهاية ..القبعة الزرقاء ليس موضة حتى تبطل، ولامنتج له مدة صلاحية ..القبعة الزرقاء مازال يجوب الأفق تحليقاً وهبوطاً ولم تنكسر ريشة منه رغم طبيعة الانكسار.. مازال يطوف كل الغرف المستطيلة في الدوائر الكثيرة ..مازال يتجمل بالقلائد رغم الهزائم والفقد المتتالي..سيقول عن زائر ليلها الطويل الذي حمل جمان الحب وعداً وعهداً ..سيقول عن الجسد البض والحرارة الحمقاء التي طبعت وشمها من أزل إلى أبد.. سيقول عن سوق النخاسة للأقدام الموحلة في الساحات كلها بدون تكلف أو مغالاة.
*نؤمن بالكتابة لأنها تجسد الألم والحب والحنين رغم خذلان العالم المملوء بالجنون والجحيم، نؤمن بالكتابة لأنها محور ذات في مجرة الحياة، ورحلة داخلية تحاول الذهاب في تجليات ذاتها ومحاورة ماتخزن في الذاكرة والجسد وإعلاء صوت القلب والشعور المحسوس والاحتفاء بالحب بكل مظاهره وتجلياته.
*ماكتبت السخرية عن عبث ولم يجسد المسرح عروضاً من فراغ، الحزن والفقد والحرمان هي كلمات ترعرعت في الصميم وانسالت شلالاً من وجع وقهر فاض صوتها في خوابيها حتى تعتقت.
ماكتبت أقلامنا عن الحروب اللئيمة إلا بعد غرزت خناجرها في حناجرنا لنقول بلكمات مجروحة نازفة من عين وقلب.. ماكتبت أقلامنا إلا تعبيراً عن هواجسنا ..الكتابة أكثر الفنون تأثيراً وأقلها انتشاراً واهتماماً.
لم تكتب أقلامنا خيالاً إلا لإيجاد معادل إنساني وروحي في آن معاً ولو بقيت رهينة عزلة تبقى في سعي دائم لاكتشاف ماضيها المفقود رغم مايشوشها من حياء وشعور الفقد تكبر المشاعر على مهل ولاشيء يفلت تحت مجسات الحواس النبيلة بفوارق الخيال والواقع المتنقلة من مكان لآخر من حرارة وصقيع متناولة في جوهرها لحظات من أزمان ضائعة.
*تبقى الكتابة ليست فكرة غير متوقعة تستطيع إدهاشنا، إنما هي أن تقدم فكرة بهيئة لحظة من لحظات الكائن ويحولها إلى لحظة لاتنسى وتبقى جديرة بحنين لايحتمل ولايوصف ولايطاق.
*الجدوى في جديتها ولو أصاب العالم بكم وصمم ..
*جدوى الكتابة لحظات تأمل من خلالها نوجه أنظارنا إلى أنفسنا.
وهنا تكمن الجدوى بصدى ماضمته المكتبة من أدب راق.
                      

العدد 1155 –  15-8-2023  

آخر الأخبار
تفكيك الذاكرة الاستبدادية.. الحكومة السورية بخطوات ثابتة لإزالة إرث الأسد من الشوارع والمؤسسات جلسة حوارية شفافة بين وزير الإعلام وطلبة الكلية.. الوزير: نتطلع إلى إعلام مهني وموضوعي منظمات أممية: استهداف إسرائيل لمنتظري المساعدات في غزة جرائم حرب مرسوم بقبول استقالة دوه جي من وظيفة معاون وزير الإدارة المحلية قبوات تبحث توسيع نطاق برامج الحماية الاجتماعية  بحمص  شعراء الثورة ينشدون حرية الكلمة في درعا  الشراكة بين المالية والعدل نحو قضاء نزيه وشفاف مابين الإهمال والتعديات.. حدائق دمشق تنتظر استعادة نسيجها الحضاري مشاريع توءمة وتبادل أكاديمي على طاولة جامعة حلب والقنصلية التركية 330 منشأة سياحية بحلب خارج الخدمة  خطوات لتحفيز الاستثمار وتجاوز التحديات نظام الاستثمار الجديد في المدن الصناعية جاذب للمستثمرين صناعية حسياء تتفقد معامل ملح الطعام "الاتصالات" تنفي الشائعات وتؤكد شفافية تعاملاتها دول الخليج.. بين التمويل والقيادة الاستراتيجية للمنطقة غراندي: عودة أكثر من مليوني لاجئ ونازح سوري منذ كانون الأول الماضي بداية عهد أكاديمي جديد.. الجامعات السورية تدخل التصنيفات العالمية محافظ إدلب يستقبل القائم بأعمال السفارة القطرية وزيارة إلى سراقب تراجع في تركيب منظومات الطاقة الشمسية.. تحسن نسبي بالكهرباء والوضع المعيشي الصعب وراء عدم الإقبال تداولٌ ينشط.. وسيولةٌ تختفي قوشجي لـ «الثورة»:حبس السيولة عقبة كبيرة تواجه مستثمري سوق دمشق رفع كفاءة مصادر المياه الجوفية والسطحية بدرعا