محمد شريف جيوسي – كاتب أردني:
هل ما حدث ويحدث في النيجر حالياً يعني النيجر وحده، أو هو علامة فارقة ليس على صعيده فحسب، وإنما على صعيد إفريقيا، بل والعالم ككل؟.
ما حدث كما تؤشر على ذلك المعطيات الأولية؛ ليس مجرد أنقلاب عسكري على رئيس أنتخب ( ديمقراطياً ) بالمقاييس الغربية، التي بموجبها لم ينتخب رئيس في الغرب على مدى العقود ألـ 3 الأخيرة، يستحق أن يذكر بخير، سواء داخل بلاده أو خارجها بل هو انقلاب على تبعية إفريقيا للغرب وفي المقدمة منه فرنسا، وتحرير لثروات إفريقيا وضمنه النيجر من النهب الغربي بعامة.
ومن هنا رأينا (إشفاق) الغرب الكاذب على الديمقراطية وحرصه ( الصادق ) على استعادتها، وعلى سلامة الرئيس، الذي قد لا يكون مسؤولاً تماماً عن أوضاع وجد بلاده تعيشها تقليدياً منذ عقود بل من قرون.
الغرب بتطبيقاته العملية في دوله أبعد ما يكون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان رغم ادعاءاته وهو ما نشهده عندما تتحرك شوارعه مطالبة بأدنى الحقوق من سحل في الشوارع وعنف وقتل ميداني، وطالما أسقط الغرب دولاً وأنظمة لا ترضخ لسياساته بمزاعم تجاوزها؛ للديمقراطية وحقوق الإنسان؛ كذباً.
ما رشح ويرشح حتى الأن، أن ما حصل في النيجر هو ثورة على تبعية إفريقيا للغرب ونهبه المستمر لثروات شعوبها، ولم يكن من طريق إلى ذلك سوى الثورة على ما أفرزته هذه التبعية من ( ديمقراطية ) زائفة، التي بدأت مؤشراتها الأولية تلوح بالأفق في عهد الرئيس الليبي معمر القذافي؛ الذي حاول إيجاد روحٍ إفريقية جديدة، ودفعت ليبيا لاحقاً ثمنها باهظاً، كما نعلم، وماتزال.
أقول؛ ما حدث في النيجر هام جداً، كونه يأتي من عميق إفريقيا ومن دولة تخضع كلية للنفوذ الغربي الفرنسي، في وقت تتعاظم فيه أزمات الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ونظامها العالمي القديم الآيل للسقوط.. وبالتزامن مع صعود روسيا والصين وغيرهما.. وبدايات تمردات خجولة مترددة في دول تابعة تاريخيا للغرب، وصعود أنظمة أمريكية جنوبية ليست تابعة للغرب.
لكن خروج النيجر منتصرة من هذه المغامرة الشجاعة المحقة؛ مشوب بالمخاطر، لغير سبب، بخاصة في حال تورطت بعض منظمة دول إيكواس الإفريقية؛ جدّيا في الحرب على النيجر.. وهو ما تعمل عليه فرنسا والغرب، للدفاع عن مصالحهما بدماء وأموال الأفارقة، بذريعة الدفاع عن الديمقراطية وإعادة الرئيس المنتخب..
ولا يستبعد أن يتحول الصراع في النيجر إلى صراع للنفوذ على النيجر، حتى داخل الغرب ذاته، فواشنطن لا يسرها كثيراً أن تكون فرنسا ذات نفوذ أعظم في إفريقيا وطالما عملت على قصقصة نفوذها، ليس لصالح إفريقيا وإنما لاستبدال نفوذ بآخر، ( وهو ما عبرت عنه الرئيسة الإيطالية بشدة وصراحة قبل أسابيع من انفجار الأوضاع في النيجر ).
ويرجح في حال تبين لأمريكا، أن فرنسا ومنظمة إيكواس غير قادرتين على إسقاط ثورة النيجر، واحتمال تمددها في دول إفريقية أخرى، أن تعمد واشنطن إلى مد ثورة النيجر بأسباب القدرة على المواجهة دون الحسم.. لإنهاكها، أو تنشيط عصابات داعش الإرهابية ( التي انتقلت في الساعات الأخيرة من الآن إلى حدود نيجريا، ربما للاستعداد لمهام جديدة بعد تلقي تدريبات ومعدات أكثر تطوراً ).
الغرب سواء بقيادة أمريكا، أو بتفاصيله المتعددة، سيعمل ما وسعه الجهد لعدم إنجاح أول ثورة إفريقية بحتة صريحة على النفوذ الغربي الإستعماري، ولا إلى تقدم دول أخرى في القارة السوداء كالصين وروسيا والهند وإيران، ولا إلى نمو علاقات متكافئة مع دول قارة أمريكا الجنوبية.
يبقى على العرب أو بعضهم على الأقل، إدراك اللحظة الإفريقية التاريخية المواتية وإقتناصها، لصالحهم وليس في صالح عالم غربي متآكل مهتريء.
بكلمات، انتصار ثورة النيجر، انتصار لإفريقيا، وللبشرية، وللسلم والعدل والاستقرار والتعايش الدولي..
