ثورة أون لاين:
بالرغم من قتامة المشهد، وسوداوية الآفاق، واستفحال أخطار شتى، والمحاولات الحثيثة للقضاء على، واجتثاث أي بعد وطني وتحرري نهضوي وحداثي، فإن هناك شعوراً عاماً بدأ يتبلور على مستويات عدة، ليرد كل ما يحصل من خراب ودمار وتفتيت ومجازر وانتهاكات، إلى الكيان الصهيوني الذي زُرع، زرعاً، في هذه المنطقة، ويحاول أن يشرعن وجوده عبر سياسات الإرهاب، وإجرام الدولة المنظم. واليوم، ومع انتشار رقعة الموت والإرهاب، يزداد اليقين، وتترسخ الرؤى، حول المسؤولية الكاملة، والضلوع التام لمجانين الحلم التوراتي بكل مآلات المنطقة الكارثية، ما بات يراكم عوامل سخط وغضب شعبيين ويستولد رأياً عاماً مناهضاً تماماً لأي تعايش أو سلام مع هؤلاء المجانين المهووسين بالقتل والتدمير.
وظهرت وتظهر اليوم، عشرات الدراسات، والتحليلات، الرصينة والجادة والموضوعية، ومن قلب المجتمعات الغربية، لتشير، تلميحاً، أو تصريحاً، لعلاقة مباشرة ما بين طاعون الإرهاب الدولي، والولايات المتحدة الأمريكية، والغرب الأطلسي عموماً، الحلفاء الأوثق، والرعاة الداعمين للكيان العنصري الصهيوني. وكانت زيارات رئيس وزراء الكيان الصهيوني لجرحى "جنوده" المرتزقة من "ثوار" الربيع العربي، القشة التي قصمت ظهر البعير، وقطعت الشك باليقين حول علاقة هذا الكيان بالإرهاب الدولي (الثورة السورية)، وكانت إقراراً على أعلى المستويات، وتأكيداً لكل تلك المزاعم والأقاويل التي كانت تربط القاعدة (الدواعش لاحقاً)، مع حماة الهيكل التلمودي. لقد وجد الصهاينة في هؤلاء "الثوار" المرتزقة، المؤدلجين والمبرمجين، ضالتهم المنشودة لاستكمال مشروعهم التدميري، ووجدوا، وبكل أسف من يطبـّل ويزمـّر لهم من بعض العرب العجزة، والتـبّع المستهينين.
ومع ذلك، لا بد، والحال، من الاعتراف، وبكثير من البراغماتية والجرأة، في الوقت ذاته، بندرة، أو ضآلة أية ممكنات لتبلور تيار إقليمي موحد ومتماسك وفاعل للوقوف في وجه تلك السياسات الهمجية والبربرية الهدامة للدولة العبرية التي ما فتئت تنشر الدمار في كل مكان، وكالةً (الثورات) أو أصالةً (قصف غزة)، وذلك بسبب عملية الاستحواذ، والاختراق الكبير، الذي حققته الولايات المتحدة وحلفاؤها، ومنهم الإسرائيليون، لبنية وتركيبة ومفاصل النظام الرسمي الإقليمي التي باتت معظم سياساته تصب كلها في خدمة استراتيجيات الكيان العبري.
لكن إرادة الشعوب، وكما علمتنا تجارب التاريخ، لا تقهر، ولا يمكن تطويع وكبح والتحكم بمشاعر الغضب المتراكم، في مرحلة من مراحل تأججه، واستعاره، وتحوله لتيار جارف يأخذ في طريقه كل ما يهدد مصير ووجود هذه الشعوب مجتمعة، وتتلاعب بأمنها واستقرارها وأقدارها، ويصوّب مسارات وحركة التاريخ الارتقائي.
كما بيـّنت التظاهرات الشعبية العفوية، واتساع رقعة انتشارها التي غمرت الشوارع وتدفقت بعفوية في عمق الغرب الأنكلوساكسوني المعقل التاريخي للصهيونية، وبعد ما ظهر من جرائم إبادة جماعية مروّعة في غزة، مدى الانزياح الكامل في الوعي والموقف الشعبي من إسرائيل، وعدم قدرة هذا الكيان، على ممارسة، وتمرير أي دور دعائي تضليلي وتمثيلي على تلك الشعوب، والوعي هو بداية عمليات التغيير الكبرى كما تساجل وتنبئ جدليات وفلسفات التاريخ.
وسط هذا الركام والحطام والحرائق والدخان المنبعث من كل مكان، نقول فتشوا عن إسرائيل، ولا بد من التساؤل، والحال، إلى أين تمضي إسرائيل مع تبني سياسة الغباء الاستراتيجي هذه؟ وهل ستستمر وتنجح فيها إلى ما لا نهاية، وستجد، على الدوام، من يصدّقها وتـُمـَشـّي عليه ألاعيبها من "الهبل" والمجانين ؟ إسرائيل، اليوم، وبالرغم من حجم التآكل والانهيار الإقليمي المريع، في مأزق، وخطر محدق ووشيك، فكثر من باتوا يشيرون لها، وبالبنان، بأنها أم الشرور، قاطبة، وراعية برامج الدمار، وصانعة الموت، والمسؤولة بشكل مباشر، عن كل ما يحصل في المنطقة اليوم، من "ثورات" وإرهاب وخراب كوني.
ثضال نعيسة