الملحق الثقافي- نبوغ أسعد:
عندما تخذلنا الأقدار ليرافقنا الحظ العاثر طوال الحياة لم نعد نفكر إلا بالموت الذي يرمينا بين أنياب ذئابها البشرية التي نهشت لحومنا، وامتصت دمائنا دون الاكتراث بالعواقب الإلهية فترافقنا الخيبة والخذلان بعيداً عن الأمل الذي باعدته قساوة الشر، وهو آخر ما يأتي إليه فكرك المشوش من تراكمات الظلم والقهر وقبح الحياة.
وهذا ما حصل مع قمر بطلة الرواية في سياق حياتها المرة والتي جعلتها تقتنع أن المرأة التي تمتلك الجمال لابد أن تسلب منها السعادة والفرح وتكتسب الشقاء والعذاب لتدفع ضريبة الجمال بأساليب وحشية من بني البشر.
وضمن سياق أدبي ولغة تحمل في معانيها صياغة الإبداع الفكري والحس الروحي والوطني لموضوعية الرواية التي رسختها مخلفات الحرب الإرهابية لتطفي عليها جماليات الفن الروائي والذائقة الأدبية التي لا تخلوا من المشاعر الوجدانية والإنسانية والتعاطف مع بطلة الرواية وذات القيمة الجمالية للأدب، وما تفرع عنها من قيم ومقالات تؤدي لأحكام مختلفة بين القراء تبعا لأذواقهم وانفعالاتهم ضمن سيرورة الحدث الدرامي والجودة الأدبية على وجه الخصوص..رسم لنا الكاتب طريق البطلة قمر ومعاناتها بشريط من العذاب والمرار منذ أن تزوجت قريبها محمود عن قصة حب ودوام زواج خمس سنوات، واكتشاف عقمها الذي أدى لطلاقها منه لتكتشف أن ليس للحب مكان في زمن الخيبة وأن ما امتلكته من جمال أخاذ لن يورثها سوى الإذلال والشقاء وهو العبء الأكبر عليها لتقع بين نيوب الوحوش البشرية التي تجردت من الرحمة والأخلاق .فتقع ضحية مؤامرة خطيرة بين يدي الحاج سليمان وهو أكبر تاجر غنم في المنطقة، ويحسب له ألف حساب بين الكبير والصغير وزوجته الماكرة فاطمة، لتصبح زوجة له لما تمتلكه من جمال وهيبة، تتزوج قمر منه بعد أن امتلك قلبها بشخصيته القيادية و ذكائه الحادين ..وهيهات للسعادة أن تكون من نصيب قمر لتتهم بعد فترة قصيرة بقتل زوجها الحاج سليمان وتدخل السجن ويتخلى عنها الأهل والأقارب ولا يقف بجانبها سوى الحاج دحام والسيدة جميلة أخت صديقتها لطيفة تسعى جميلة لمساعدتها بحكم قربها من رجال الأمن والمحاماة والقضاة الذين يركعون تحت قدميها لما تقدمه من لحم أجساد الفاتنات اللواتي يشتغلن لديها، والتي اكتشفت من خلالها أن هؤلاء الرجال ينفذون كل متطلباتها مقابل وجبة دسمة للحوم الفاتنات وبرغم كل ذلك باءت محاولاتها بالفشل فلجأت إلى السيدة أم جملو التي تعرف من أين تؤكل الكتف ولها الأثر الكبير في معرفة كل شاردة وواردة من خلال تعاطيها مع رجال الأمن وكبار المنطقة تمررهم من تحت ابطها وتعرف حجم خياناتهم التي يرتكبوها بحق زوجاتهم أولا ودولتهم ثانيا وسرقاتهم غير المشروعة من تحت الطاولة وامتصاص دماء الأبرياء بالرشاوى والتزوير ليغرق البلاد بالفساد ..ويقع الحكم على قمر التي ذاقت الويل وهي تروح وتغدو بين أروقة السجون والمحاكم وينهش لحمها القاصي والداني ليحكم عليها بالسجن لمدة خمسة عشر عاما، تقضي منها عشر سنين من أشد سني عمرها تفاجئ ببرائتها بعد أن اعترف القاتل بجريمته وهو على فراش الموت لتكون الصدمة أكبر عندما تعلم أن القاتل هو الحاج دحام صديق زوجها المغدور والذي حاول بشتى الوسائل أن يخرجها من السجن ولو دفع ثروته كلها بغية الحصول على قمر والزواج منها وتخرج قمر من السجن لتعود إلى قريتها في الحسكة في الوقت الذي تكون الحرب الإرهابية في أوجها والمسلحين الدواعش قد سيطروا على المدينة وعاثوا فساداً ودماراً وقتلاً وتنكيلاً بالبشر لتصبح ساحة النعيم في قريتها ساحة الجحيم لكثرة الإعدامات فيها، وتقع بين أنياب وحوش أكثر ضراوة من سابقها ولايكون لها سوى الخيار لتصبح زوجة القاضي الشرعي أبو معتز ومسؤولة عن النساء اللواتي يأتين سبايا من العراق وتشهد بأم عينها الظلم والاستبداد الذي يمارس بحقهن وهن على حد قولهم ملك لهم في مسيرة جهادهم حسب قانون ولايتهم.. وكيف يتم اغتصابهن قسراً؟.
تحاول قمر الهرب من بين يدي القاضي الشرعي زوجها بعد أن ضربها بقسوة وأدخلت المشفى بسبب دفاعها عن صبية صغيرة قام باغتصابها فماتت من التعذيب وهي في سن العشرين، وتتفق مع الاثنتين اللتين بقيتا معها في المنزل ويتم لها ذلك بعد أن طلبت منه الذهاب للسوق لشراء ثياب تليق بالأمير القادم أبا عقبة لتكون ملك يمينه وهو بدوره يرفع من شأن القاضي زوجها وفي الطريق إلى تل أبيض تسعى قمر لتأمين الفتاتين العراقيتين وتذهب هي إلى بيت جدها فلم تستطع جدتها التعرف إليها ..فتقوم بالاتفاق مع راعي غنم كان صديقا لزوجها المتوفي الحاج سليمان وتحكي له قصتها فيتعاطف معها ليسوقها بين الغنم حتى يصل إلى الطريق الواصل بين دمشق وتدمر وتعبر البادية متخفية وعندما اقتربت من حاجز للجيش عرف الراعي بنفسه. وشرح لهم عن حياة قمر فتعاطفوا معها وقالوا لها.. الآن أصبحت بأمان يا أختي.. تقترب قمر من العلم السوري وتقبله وهي تبكي.
العدد 1158 – 5-9-2023