الثورة _ فؤاد مسعد:
تسعى المؤسسة العامة للسينما في إنتاجاتها ألّا تقع في فخ تكرار الأفكار عبر ما تقدم من أفلام، كما تحرص عند إعطاء موافقتها على النصوص أن يحمل كل منها الجديد، ولكن ما جرى أنه خلال العامين الأخيرين تم إنتاج عدة أفلام قصيرة حول فكرة واحدة تمثلت بـ «عمالة الأطفال»، وإن قدّم كل منها الموضوع من زاوية مختلفة عن الآخر ولكنها دارت كلّها في فلك تيمة واحدة، مما يطرح تساؤلات حول السبب وراء ذلك، فهل يعكس في أحد أوجهه جفافاً فكرياً في إيجاد قضايا أخرى؟ أم أن الأمر بعيد عن ذلك تماماً، فالقضية تستحق إنتاج كل هذه الأفلام وأكثر لعلها تكون الصوت الصارخ الذي يمكن أن يلعب دوره في إثارة المسألة عبر الإلحاح عليها؟ ولكن هل تصل هذه الأفلام القصيرة إلى شريحة واسعة من الجمهور على اختلاف مشاربه أم تراها متقوقعة ضمن أطر العروض الخاصة والمهرجانات؟ وهل تُعرض للأطفال حقاً «بما أنها أفلام للأطفال» أما جمهورها من الكبار فقط ؟..
هنا لا نناقش أهمية تلك الأفلام، فالقسم الأكبر منها لم يُعرض بعد، وما عرض كان بشكل خاص ومحدود، ومما لا شك فيه أن صانعيها عملوا بحب وشغف كبيرين والعديد منهم يمتلك هاجسه الإبداعي ومشروعه الفني والفكري، ولكن ما نشير إليه هو حالة تكرار «التيمة» نفسها في كل مرة، وكأنه ليس هناك من قضايا أخرى تحمل القدر نفسه من الأهمية وربما أكثر، ومن تلك القضايا على سبيل المثال «الأطفال الذين تركت الحرب في نفوسهم أثاراً سلبية من انطوائية أو خوف أو عدوانية أو..، الأطفال الذين جندهم الإرهابيون لحمل السلاح، الأطفال الذين ولدوا في الحرب وهم مجهولو الأهل، الأطفال المعاقون وآلية دمجهم في المجتمع، العنف الأسري، التنمر وانعكاسه على نفسية وسلوك الطفل، الهوية والانتماء والتخبطات التي يعيشها الطفل أو المراهق في سنوات معينة من عمره،..»، كلها موضوعات تحمل قضايا حارة وهناك المزيد، فأين هي من شاشتنا الفضية في مناقشة عميقة تلامس الوجع وتسلط الضوء عليه ؟..
كما أن عمالة الأطفال ربما في حيز منها اليوم بات لها ما يبررها أحياناً، خاصة بعد سنوات من الحرب أتت على اقتصاد الكثير من العائلات والحالة المعيشية الصعبة التي أفرزتها، واليوم الدعوة مفتوحة للمؤسسة العامة للسينما وللقطاع الخاص لأن تُعطى هذه الأفلام مساحتها وتُطرح فيها أفكار أخرى إضافة إلى «عمالة الأطفال»، على أهمية الموضوع، فقضية الطفل السوري اليوم ومستقبله أبعد بكثير من أن نلخصها بفكرة واحدة، ثم لماذا لا نلقي الضوء على عمالة من نوع آخر تتمثل في الأطفال واليافعة الذين يبتكرون ويبادرون اليوم إلى إنجاز مشاريع صغيرة إضافة إلى دراستهم؟، ولماذا تنحصر تلك الأفلام ضمن ميزانية الفيلم القصير؟ ما الضير من إنجاز فيلم طويل؟ فقد برهنت الأفلام القصيرة على وجود مواهب واعدة من الأطفال يمكن الاستعانة بهم.
كلها شظايا أفكار يمكن العمل عليها لتترجم مشاريع حقيقية تعكس في أحد توجهاتها العمل الجاد لصالح إنجاز عمل حقيقي موجه للأطفال، كحال الكثير من الأفلام المُقدمة، ومما تم انتاجه في السنوات الأخيرة نذكر أفلاماً أخذت من عمالة الطفل تيمة لها ولكن تنوعت في آلية تعاطيها معها، فهذا العام هناك فيلم «براءة» إخراج وليد درويش وفيلم «زاوية صعبة» إخراج أيهم عرسان وهما من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، وفيلم من إنتاج القطاع الخاص «بوط أحمر» إخراج فارس شاهين، أما في عام 2022 فهناك فيلم «أماني» إخراج سمير طحان، وفيلم «دُعاء» إخراج تاتيانا أبو عسلي التي قدمت فيلماً آخر قبله بسنتين بعنوان «الرجل الصغير»، وهي من إنتاج المؤسسة العامة للسينما.
السابق