في كل دول العالم ثمة مؤسسات مختلفة سلطوية وحزبية ومدنية وقوى فاعلة في المجتمع من رجال فكر وسياسة ودين ومجتمع وصناع رأي عام، ويفترض أن تعمل كل هذه المؤسسات والقوى المجتمعية والمؤسسات المدنية والأهلية على تنمية المجتمع وتطويره والارتقاء به وحفظ السلم الأهلي وتعزيز حالة التفاعل والتناغم بين أفراده ومؤسساته، وعندما لا تنجح تلك القوى المشار إليها في تحقيق أهدافها والاضطلاع بمسؤولياتها يفترض أن يتم العمل على إعادة النظر فيها كأشخاص وبنية ومحتوى لجهة أن ثمة نقاط ضعف تكتنف عملها وأداءها ما يستدعي إجراء عملية تغيير عميقة تطول عناصرها ولاسيما مفاصلها الأساسية، وحال عدم القيام بذلك الإجراء الضروري والمستوجب، فهذا مؤشر على استمرار تراجع الأداء العام وتحول الأمور من سيئ إلى أسوأ ما يعني ارتفاع منسوب سوء الأوضاع وتردي الأحوال حال انتفاء أو تباطؤ الفعل التغييري أو ردة الفعل المناسبة لإجراء ما هو مطلوب ومرغوب شعبياً وواقعياً.
إن وجود مؤسسات رسمية وقوى سياسية ومنظمات وأحزاب وازنة ومتواجدة في مركز القرار والفعل دونما فاعلية حقيقية ودور ومهام أو ضعف الأداء يستدعي محاسبتها كي لا يتشكل الانطباع لدى الجمهور والرأي العام بأن لا إرادة أو رغبة في معالجة الأمور وتلافي التقصير ما يعني أنه حالة من حالات التكيف مع الفشل.
إن ازدياد معاناة المواطنين وتراجع الوضع الاقتصادي وضعف أداء بعض المؤسسات وقصور دورها في مستويات مختلفة وضعف دورها وحيزها الاجتماعي والتوعوي وتأثيرها في الرأي العام وسياسياً وغياب تحديد المهام وهو في جوهر عملها هو الذي ترك فراغاً هائلاً ملأته وتملؤه قوى أخرى أقل عدداً ومأسسة وأضعف خطاباً ما يعني أن ثمة قطيعة حقيقية أو ضعف تواصل بين تلك المؤسسات وحيزها ووسطها الاجتماعي الذي يفترض أن تكون اللاعب الرئيسي فيه ولا تتلاعب به وتقوده قوى أخرى.
إن نقاط الضعف في كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها تبدأ صغيرة ومحدودة ثم لا تلبث أن تكبر وتتسع إن لم تتم معالجتها معالجة تنطلق من مقدماتها الأولى أو مدخلاتها، وهذه المعالجة تنطلق من تبصر وتشخيص الأسباب الحقيقية، فقد تكون عناصر ونقاط الضعف حاصلة في الأدوات أو آليات العمل أو المفاصل القيادية والكوادر التي تقود العمل ما يستدعي التغيير الحقيقي لا التبديل والتغيير هنا يفترض أن يكون وفق معايير موضوعية تعتمد توصيف العمل وطبيعته والمهارة أو الخبرة والكفاءة التي يحتاجها، والأهم من ذلك وجود المشروع والرؤية الواضحة والإنجاز القابل للقياس والمردود مترافقاً مع التقييم المرحلي للنتائج، فقد يأتي شخص لديه المؤهلات العلمية ولكنه لا يملك الخبرة اللازمة فلا يصيبه النجاح في المسؤولية الملقاة على عاتقه، وقد تأتي بشخص ليس لديه الشهادة أو المؤهل العلمي، ولكن لديه التجربة فيكون ناجحاً بعمله ومتفوقاً في الأداء على حامل الشهادة والمؤهل العلمي، وهذه بالتأكيد ليست قاعدة عامة ولكنها حالات تتواجد هنا وهناك وما ينطبق على الإدارة ينطبق على المؤسسات الحزبية والمنظمات والنقابات والمؤسسات الأهلية والمجتمع المدني، فالمعيار هو النجاح في تأدية المهام والكفاءة القيادية وتحقيق النتائج.
إن أخطر ما تواجهه مؤسساتنا الحزبية والمنظماتية والنقابية والقوى السياسية العاملة في المجتمع هو تحول بعضها أو أغلبيتها إلى هياكل بيروقراطية غير فاعلة في بيئاتها واوساطها، فتستغرق في العمل المكتبي وكأنها سلطة رديفة لسلطة الدولة وجهازها التنفيذي، فتغادر ملعبها وهو المجتمع لتنشط وتعمل في ملعب السلطة وهو خارج اختصاصها بل وتنازعها الاختصاص في أحايين كثيرة ما يفقدها دورها الأساسي، وهو الدورالمجتمعي، وهنا يطرح السؤال الإشكالي المتعلق بالصلاحيات، وهو الذي لم يجد الإجابة الكافية حتى الآن أو على الأقل الفهم الواضح والشفاف، فثمة تداخل في الصلاحيات وتجاوز للمهام يحتاج إلى توضيح وضبط والتزام لأن ذلك التداخل يؤدي إلى تعطيل خيارات الإدارة ودورها في تكليف من ترى فيهم المؤهلات المطلوبة لقيادة العمل المنوط بهم.
إن محاولة ترسيخ قاعدة ليس بالإمكان أكثر مما كان مقولة غير صحيحة وغير واقعية، فثمة قصور واضح في عمل المؤسسات التنفيذية وغيرها في إدارة الموارد المتاحة والاستثمار في نقاط قوة الاقتصاد السوري ولاسيما الزراعة والخدمات الأساسية والقطاع الصناعي والحرفي والاقتصاد المنزلي والمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر وتمويل هذه المشاريع من فائض القوة المالية المجمدة لدى الكثير من منظماتنا ومؤسساتنا المختلفة إضافة إلى التركيز على القطاع الزراعي في موضوع تسهيل عمليات الاستيراد والتصدير واتباع سياسة نقدية تأخذ بالحسبان توظيف ما يسمى التمويل بالعجز.