الثورة – جاك وهبه:
تشير العديد من الدراسات التربوية إلى أنه ليس هناك مبرر منطقي لعزل ذوي الاحتياجات الخاصة عن المجتمع كون العزل يزيد من تدهور حالتهم النفسية والصحية في آن واحد.
وحول ظاهرة عزل ذوي الإعاقة في منازلهم سألنا الأخصائية النفسية نادية العاقل التي أكدت أن مسألة عزل الطفل من ذوي الإعاقة داخل منزله له عدة أسباب منها يتحمل الأهل مسؤوليتها بالدرجة الأولى، ومنها يتحمل المجتمع المسؤولية من خلال التنمر والعادات السيئة التي تسبب ضغط البيئة الاجتماعية على سلوكيات أسر المعوقين، ومنها سبب غياب الثقافة المجتمعية والصحية لأهمية إنقاذ الطفل في مراحل مبكرة من عمره .
الأخصائية العاقل وهي تعمل أيضا مدير تنفيذي لمؤسسة “حدود السما التنموية” بينت أنه من أسباب إخفاء الإعاقة والابن معاً في المنزل ومنهم في أعمار كبيرة يعود إلى طبيعة النظرة المجتمعية للإعاقة، وخاصة العقلية منها حيث توجد نظرة سلبية من المجتمع لهذا النوع من أنواع الإعاقات، مما ينعكس سلباً على الأسرة التي تعتبر ابنها وصمة اجتماعية لا تتناسب مع مركزها الاجتماعي ومكانتها.
ومن الظواهر الاجتماعية السائدة في المجتمع السوري أيضا الإرباك والقلق ولوم كل طرف الآخر ويحمله مسؤولية التسبب في هذه الإعاقة، وعدم تقبل النتائج والخجل من وجود طفل معاق في الأسرة، ومحاولة الكتمان وإغلاق الأبواب عليه، وهم على قناعة تامة أن مرحلة الكتمان لن تطول كثيرا، ومع ذلك يحاولون إغلاق الأبواب على الطفل المعاق.
وأشارت الأخصائية النفسية إلى أن الدعم النفسي يجب أن يكون أولا إلى الأهل من أجل مساعدتهم للتخلص من الخوف من التنمر، والتعرف على تجارب الآخرين ، والنتائج الإيجابية التي حصلت على حالات أطفالهم بعد إخراجهم من المنزل، والاستفادة من الإيجابيات التي يمتلكها المعاق وتعزيزها، والأهم من ذلك تعزيز الإيمان بقدرات الشخص المعاق وتقبله كما هو، وتكريس معرفة وإدراك أن تأخر الوالدين في تقبل إعاقة الطفل يزيد من تفاقم الأمر، فالعلاج المتأخر يكون بطيئا ولا يكون له التأثير المناسب.
ومن خلال خبرتها بالعمل تؤكد العاقل مصادفتها لكثير من الحالات التي ترفض تعريف المجتمع بأن طفلها من ذوي الإعاقة تعامل مع هذا الطفل بإبقائه حبيس المنزل بحجة عدم قدرته على الخروج، وعدم تمكنه من التكيف مع المجتمع الخارجي في حين لو منحت له الفرصة لكان التعامل مع العالم الخارجي من أعظم الفرص التعليمية التي تساعده على التكيف.
ودعت العاقل الأهل انطلاقا من خبرتها في مؤسسة “حدود السما” لرعاية ذوي الإعاقة ومتابعتها للأنشطة الملائمة لهؤلاء الأطفال لأن ينظروا لطفلهم على أنه من ذوي الطاقات المختلفة التي خصه بها رب العالمين، والبحث عن نقاط القوة لديه وسيجدون الاختلاف والتميز الموجود لديه، واعتبرت أن دمج الأطفال من ذوي الإعاقة يعزز ثقتهم بأنفسهم ويشعرهم بأهمية دورهم في الحياة.
واعتبرت العاقل أن التعامل مع أسر ذوي الإعاقة ومع ذوي الإعاقة أنفسهم يحتاج إلى «بروتوكول» خاص، ويحتاج إلى دليل تدريبي واسع وانتشار هذا “البروتوكول” حتى نستطيع أن نتقبل أطفالنا ونؤمن بقدراتهم في المؤسسات الدامجة، ونعمل على نقلهم من مرحلة إلى أخرى ومنح الجميع فرصة والإيمان أن الصدمة النفسية قد تخلق دوافع أقوى لدى ذوي الإعاقة ، والايمان بأن الحل الوحيد هو الدمج ثم الدمج ومن المراحل العمرية الصغيرة «رياض الأطفال»، فالدمج ينجح كلما كان العمر صغيرًا، والدمج أيضا يحسن اتجاهات الأسر نحو أبنائهم، ويشعرهم بالفخر بما يقدمون يعزز ثقافة تقبل الآخر المختلف، ويدعم حفظ واحترام حقوق الاخرين، وهذا “البروتوكول” يجب أن يعمل عليه الجميع كدولة ومؤسسات وأهل ومجتمع.
وأشارت العاقل إلى الأم المثالية التي استوعبت الصدمة وأخرجت طفلها في مراحل مبكرة إلى الرياض الدامجة، واشتغلت على نقاط القوة لدى طفلها، وطالعت كتبًا ومراجع للتعرف على حالة ابنها، وحولت ألمها واحاسيسها المضطربة نحو طفلها إلى ابتسامة مع كل خطوة يتقدم بها نحو الأمام، والقيام باحتياجاته الشخصية بمفرده ومن ثم تطوير مهاراته ليصبح شخصا مستقلا بذاته ومنتجا ولا يحتاج إلى مساعدة، وإلى الأم في المقلب الأخر الجاهلة التي ترمي أبنها في الشارع من أجل التسول على حالته، وعلى الأغلب هناك من يستثمر حالتها ويستغل بساطتها، وبين الأم التي وجدت ابنها بعمر 30 سنة ولم يخرج خارج المنزل .
وختمت الأخصائية النفسية العاقل بالقول إن خجل الأهل من أبنائهم ذوي الاحتياجات الخاصة مسؤولية تتقاسمها الأسرة والمجتمع وعلى الجميع الصحوة للقضاء على الخجل والتعامل مع ذوي الإعاقة وأهلهم بأسلوب يعزز ثقافة تقبل الآخر المختلف واحترام خصوصيته وأملت أن يكون القانون الجديد التي تعمل عليه وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل يحمل في مواد الكثير من المزايا التي من شأنها تشجيع الأهل للاعتراف
بأبنائهم من ذوي الإعاقة وضمن لهم حقوقا أكبر وقالت موجهة الدعوة للأهل “امنحوا أولادكم فرصة لكي يعيشوا الحياة فما منحهم الله الحياة لتسلبوها منهم”