محمد شريف الجيوسي ـ كاتب أردني :
بحث الملتقى الاقتصادي الأردني السوري، المنعقد في العاصمة السورية دمشق بمشاركة اقتصاديين ورجال أعمال سوريين وأردنيين آخرين من القطاع الخاص، قدموا إلى سورية للبحث مع نظرائهم في سورية سبل تحسين انسياب التبادل التجاري والاستثمار وتذليل العقبات التي تعرقل نمو العلاقات الاقتصادية بين البلدين العربيين الجارين اللذين تربطهما فضلاً عن العلاقات القومية والإيمانية والجوار والتاريخ والجغرافيا والدم واللغة، مصالح اقتصادية وتنسيقية وأمنية عميقة بمواجهة تحديات مكافحة الإرهاب والتهريب بأنواعه وغير ذلك.
لقد كانت العلاقات السورية الأردنية قبل بدء الحرب الإرهابية الظالمة على سورية، جيدة بعامة سياسياً، وكانت اللجنة المشتركة بين البلدين تنعقد في مواعيدها باستمرار، متخذة التوجهات والقرارات المناسبة التي تخدمهما على كل الأصعدة، وكان الميزان التجاري بينهما يميل لصالح سورية، لكن كانت نسبة نموه السنوية تميل لصالح الأردن، ولم تكن هناك مشكلات حدودية بينهما سواء على صعيد تهريب المخدرات أو غيرها، أو على صعيد تسلل جماعات إرهابية.
لقد تسببت الحرب الإرهابية على سورية، وفرض الحصار عليها، بالإخلال بهذه المعادلة الجيدة، محدثة أضراراً بليغة بمصالحهما الاقتصادية وأمنهما القومي واستقرارهما الاجتماعي، وإن يكن حجم الإضرار التي لحقت بجارة الأردن الشمالية (سورية)، أكبر بكثير مما أصاب الأردن.
فقد أضر إغلاق الحدود جراء استيلاء جماعات إرهابية على معابرهما باقتصاداتهما، بالتزامن أيضاً مع إغلاق المعابر مع العراق ما تسبب بمشكلات للقطاعين الإنتاجيين في الأردن الزراعي والصناعي والخدمييْن (السياحي والنقل).
لكن استئناف عمل المعابر عام 2018، بعد تحرير سورية لجنوبها بدعم من حلفائها لم يحلّ كل المشكلات وإن خففت منها نسبياً.. حيث لم يكن استئناف كل شيء ممكناً، فقد ترك العدوان بصماته، وجاءت جائحة كورونا سنة 2020 لتغلقه مجدداً بعض وقت، وأعاقت ذرائع أمريكية من العودة المتسارعة للعلاقات بالتزامن مع إشاعات لعب الإخوانيون دوراً رئيساً في ترويجها، حيث أصدروا قائمة (تحذيرية ) لمن زعموا أنهم مطلوبون في سورية، بعضهم أموات، لترهيب المواطنين الأردنيين من زيارتها، ولكن الشعب الأردني لم تقلقه هذه الترهيبات، لكن الضغوط الأمريكية لعبت دورها موضوعياً في إعاقة عودتها كما كانت.
لقد أدى حرمان سورية مصادرها من النفط والغاز ومن سلة غذائها، نتيجة استيلاء الولايات المتحدة وعصابة “قسد” على مناطق هذه المنتجات وتهريبها، كما استيلاء تركيا وعصاباتها الإرهابية على مناطق شمالي سورية، إلى حرمانها من مصادر تمويل إعادة الإعمار والبناء وتمويل احتياجات الشعب السوري المعيشية فضلاً عن مستلزمات الزراعة والصناعة والخدمات، وبالتالي تقييد تصدير بعض المنتجات أو استيرادها من وإلى الأردن وغيره.
كما أن النقص الحاصل في الطاقة الكهربائية يقيّد إمكانية فتح المنافذ البرية على مدار الساعة، وبالتالي قيّد انسياب حركة النقل.
وعطلت الضغوط الأمريكية الممارسة على الدول العربية وغيرها وعلى المجموعات العالمية توجهاتها لإعادة الإعمار وللاستثمار في سورية، وبالتالي سعيها لاستعادة الزخم الذي كان حاصلاً قبل الحرب والحصار في العلاقات التجارية مع الأردن استيراداً وتصديراً، فضلاً عن ضغوط واشنطن المعلنة على الأردن وغيره، لكي لا تخرج سورية من أزمتها أو على الأقل إطالة أمدها، وهو ما مارسته أيضا على دول الجامعة بعد استعادتها لمقعدها.
كما لعبت الاعتداءات الإسرائيلية دورها في إعاقة الاستثمار في سورية، ما يحول دون تمكينها إقامة أفضل العلاقات التجارية والاقتصادية للأردن وقطاعه الخاص، وبالتالي في حال تم ذلك تحجيم أثر الضغوط الأمريكية على البلدين الشقيقين.
سبق أن قلت على فضائية A N B العراقية، لدى إعادة فتح المعبر الحدودي بين البلدين، إنني أهنئ الشعب الأردني قبل السوري بفتح الحدود بينهما، لعلمي أن سورية تشكل متنفساً للشعب الأردني اجتماعياً وسياحياً، فعلاقات القربى والمصاهرة أصعب ربما من أن تحصى، فضلاً عن أن سورية ومن ثمة العراق في الحالات الطبيعية هما أكبر مستوردين للمنتج الزراعي الأردني، كما يحظى المنتج السوري من المنسوجات والأدوية والأقماح مثلاً، بمزية خاصة، والسياحة في سورية لا تنافس، والسياحة الخليجية إلى الأردن تكون أعظم، مع فتح الحدود مع سورية ولبنان وليس كما يظن البعض.
وسورية بفضل علاقات جيدة مع عمّان، تكون في وضع اقتصادي وسياحي أفضل، بما في ذلك أمنياً، كما أن انتظام هذه العلاقات يكسر بعض الضغوط الأمريكية؛ الممارسة في كل اتجاه.
لقد تَنَبّهت دول كبرى ( خارج المنظومة الإمبريالية ) أعني الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل ـ إلى أهمية خروجها من هيمنة القطبية الأحادية، دون أن تنخرط في سياسات وتوجهات الصين – روسيا أو أن تتخلى عن طبيعة أنظمتها السياسية و(ديمقراطياتها) القريبة نسبياً الغرب، مشكّلة مع بكين وموسكو ، تجمع بريكس ، والذي انضمت إليه دول عديدة وستنضم دول أخرى .
أردت القول إن نمو العلاقات الاقتصادية والتجارية والتنموية والاستثمارية والسياحية والخدماتية بين أي بلدين عربيين ليس شرطاً أن يشمل تفاهمات أو تماثلات سياسية شاملة وكاملة بينهما، لكن تطور هذه العلاقات سيضيق شقة الخلافات الأخرى، ويضعف الضغوط الخارجية، ومأمول أن تتيقن الدول العربية لأهمية ذلك.