الملحق الثقافي-وفاء يونس:
تحت العنوان السابق كتب لحسن ملواني
في 12 ايار 2018بموقع العرب الجديد متحدثاً عن لعنة اللايكات وما جرته على الإبداع
في زمن تكنولوجيا المعلومات وتسويق الأشياء والكلام والأشخاص والعيوب والفضائح، صار الإبداع مستسهلاً، وصار مُدَّعو الإبداع متوجين بتيجان الزعامة والريادة الإبداعية، حيث صار الناقد والمقِّيِّم للإبداع هو عدد اللايْكات والتعليقات القصيرة من قبيل: جميل، جيد، عظيم… وأغلب ذلك لن يكون في حقيقته سوى التملق والمجاملة المجانية، فقد يحصل مبدع أو مبدعة، بغض الطرف عن المستوى الفني، على لايكاتٍ كثيرة، ليس لثراء منجزه/ها الإبداعي، بل لوسامة الوجه وطريقة تصفيف الشعر وحلاوة الابتسامة، ومعرفتنا المسبقة به أو بها.
رحم الله زمنا كان المبدع فيه قارئاً نهماً مستفيداً ومفيداً لغيره، يتهيّب الإبداع ويحترم طقوسه وجلساته، ويضع في حسابه انتظار الناقد الصارم لمنجزه الإبداعي، يمَحِّصُه ويفحصه ويلاحظه بعمق لينجم عن ذلك نقد وتوجيه بناءان لإبداع ينحو نحو النضج والإشراق.
أما اليوم، فقد صار المبدع رساماً أو شاعراً أو قاصاً، يقيس جودة منجزه، وهو في بداية مشواره الإبداعي بلايكات من هؤلاء أو أولئك، وكثيراً ما يحالفه الحظ، فيرتفع عدد هذه اللايكات إلى المئات أو الآلاف، ليعيش وهم التفوق والزعامة. والخطير أنّ هذا المبدع يتبجح بحصيلة اللايكات ليرفع هامته، يكاد يعانق السماء، في الوقت الذي تجد ما أبدعه لا يستحق لا المدح ولا الرفعة.
لن نغفل إيجابيات وسائل التواصل الاجتماعي في ربط الجسور بين المبدعين، على اختلاف مشاربهم، يتبادلون المعلومات والآراء بصدد جديدهم الفني، ويمنحهم ذلك فورية التعرف على هذا الجديد، ديوانا كان أو لوحة أو رواية. لكن أن تتخذ عدد اللايكات معياراً للإبداع، وبديلاً عن نقاد يقع على عاتقهم مسؤولية التنوير لمكامن الجودة ومكامن الرداءة في العمل الفني. فالنقد البناء، على حدّ قول عبد الله بونوفل، «يعتبر أحد سمات المجتمعات المتحضرة، ولو كنت أملك القدرة على توظيف أشخاص من ذوي الخبرة والتجربة لإفادتي وتنويري وإبداء الرأي حول ما أقوم به أو أكتبه لما ترددت في توظيفهم وبأجور مرتفعة الثمن، فالمعروف هو أن من «من حذرك كمن بشرك»، ولكن حبّ النفس والأنانية واللهاث وراء الإيرادات والمكتسبات الآنية تجعل العين لا ترى تلك الصفات الحميدة».
الإبداع بعيداً عن النقد البنّاء مصيره السقوط في الضحالة والرداءة التي لن تقتصرعلى صاحبها، بل ستتجاوزه إلى غيره لتصير سيدة جيل هذا العصر.
فيا أيها المبدع الحريص على الإجادة والإفادة، احترز من وهم اللايكات، فهي تحمل من الإغراق أكثر مما تحمله من النجاة والتأهيل والبناء والإرشاد إلى مواطن الضعف والقوة في العمل الإبداعي، فلا تغترنَّ بلايكاتهم، ابذل جهوداً وجهوداً من أجل الارتقاء بإبداعك إلى مدارج النضج والإشراق، بدل الافتخار بالتفوق الوهمي الذي لن يفيدك، ولن يفيد جمهورك الذي يستحق منك الاحترام.
العدد 1160 – 19-9-2023