الثورة – ديب علي حسن:
هل السؤال مشروع.. بمعنى آخر هل فعلاً أخفق التنوير العربي.. ولماذا أخفق، وإذا لم يخفق يمكن أن يكون السؤال؛ هل بهت وخبا وهجه ولماذا كان ينطلق بقوة وحاضراً في منتصف القرن الماضي أكثر من اليوم؟.
هل لأن ثمة مفكرين حقيقيين كانوا ولم يكونوا أدعياء ولا صنع الدعاية التي تقدم الزائف على الأصيل.. أسئلة كثيرة يطرحها الباحثون العرب المعنيون بالتنوير والفعل الثقافي..
ويذهب بعضهم إلى رؤية أن مشروع التنوير أخفق لأن الأنظمة العربية تدخلت فيه بمعنى آخر صادرت النشاط الثقافي والفكري ولكن آخرين يرون عكس ذلك تماماً..
كتاب مهم صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق للأستاذ حسن إبراهيم أحمد وأعتز أنه كان مدرسي في المرحلة الثانوية.
الكتاب يحمل عنوان: استعصاءات التنوير العربي بين المأزق والمخرج.
يرى المؤلف أن التنوير حالة تحصل في الأذهان قبل حصولها في الأعيان كما هو متعارف عليه بل الحقيقة أنها تحصل من جدل الوعي مع الواقع.
هو حالة وعي لكن لا تكون ذات جدوى ومردود اجتماعي بما في ذلك النشاط الاقتصادي الإنتاجي بالتالي فالسؤال: ما جدوى وأهمية البحث في ثقافة أو الانخراط بها طالما هي لا تتحول إلى هذا النشاط ولا تنعكس في سلوك الناس المعنيين بها انعكاساً فاعلاً تغييرات وتقدم؟؟
الأسئلة تطرح القضية أو تفتحها على آفاقها الاجتماعية فلا جدوى من سياسة أو ثقافة ولا اقتصاد ما لم تكن هذه النشاطات في خدمة المجتمع (الإنسان) ولن تكون في خدمته ما لم تتحول الثقافة إلى نشاط عملي ويتحول الإنتاج العقلاني سواء انتمى إلى العلوم الكونية التجريبية أو إلى العلوم الاجتماعية النظرية إلى خطوات عملية ملموسة مادياً أو معنوياً في ظل نظم في الحياة السياسية والاجتماعية تكون قادرة دائماً على استبدال ما ثبت عجزه وقصوره بما يعد بتعويض المجتمع خيراً منه والتجربة هي الحكم.
تتحدث دوريندا اوترام عن التنوير من خلال ما فهمته من آراء إعلام مثل مونتسكيو وديدرو وكانط أنه(الإيمان بقوة العقل البشري على أن يغير المجتمع وأن يحرر الفرد من قيود العادات والسلطات الاعتباطية ويستند كل هذا إلى رؤية عالمية يدعمها العلم وليس الدين أو التقاليد وتشير اوترام بعد هذا إلى أن التوسع في تجارة الوسائط الثقافية مكنت من فهم تلك التصادمات العنيفة بين الأفكار الجديدة والتقاليد القديمة إنها واحدة من أكثر العوامل أهمية في بناء التنوير في أوروبا.
أيهما يجب أن يسبق الآخر النشاط العملي في مجال العلوم والإنتاج أم النشاط الفكري في مجال الفنون والآداب والفكر؟؟
المنطق يقول إننا لا نستطيع أن نوجد الشيء قبل أن نوجد صورته الذهنية لكن من جهة أخرى هل يمكن لذهن قاصر جاهل أن ينتج حالات متقدمة وهو في حالة عجز أو قصور؟؟
أزمة التنوير وشرعنة الفوات الحضاري عند الغرب توضح أن القاع الثقافي والمركز الأيديولوجي في عمقها التاريخي لطائرة الميراج أو الفانتوم او الميغ مثلاً نجدها في فكر ديكارت اسبينوزا فولتير هيجل ماركس…. فيما ينقل عن أحمد أمين قوله: نحن الشرقيين نريد امتلاك السيارة لا الفكرة التي أنتجت السيارة وعند الشعور بالكفاية وعدم الحاجة قد يستقيل الناس من النشاط الفكري والبدني فعندما سأل بيري المستكشف المعروف رجلاً من الاسكيمو (بماذا تفكر)؟؟؟؟ أجابه الرجل:(ليس هناك داع للتفكير فعندي كمية وافرة من الطعام).
والأمر الكارثي أن يتوقف المرء عن التفكير حتى وإن وجد حاجاته الأولية مقضية لكن ما هو أشد كارثية أن يتوقف الإنسان عن التفكير وحاجات غير مقضية.
وإذا كانت الثقافة أو فعل التثقيف المادة الخام التنوير كما يرى المؤلف فإن نقد هذه الثقافة ضرورة ومهمة يجب ألا تتوقف وعلى مختلف الصعد وفي الجوانب كافة.
بقي أن نشير إلى أنه للمؤلف أكثر من كتاب في الدراسات الفكرية المهمة.
يقع هذا الكتاب في ٣٤٨ صفحة من القطع الكبير.