الثورة – لقاء عبد الحميد غانم :
قال الدكتور نزار مؤيد جزان أستاذ السياسات العامة في كلية العلوم السياسية في جامعة دمشق في سياق تعليقه على أهمية الزيارة التي يقوم بها السيد الرئيس بشار الأسد إلى الصين: إنه ومنذ بدء الأحداث في المنطقة العربية والمجتمع الدولي، تراقب مختلف وسائل الإعلام استجابة الصين للمشكلات على الساحة الدولية والإقليمية ومنها الوضع في سورية.
وبدءاً من عام ٢٠١٥ أظهرت الصين اهتماماً ملحوظاً بمساعدة سورية ولعب دور نشط في تعزيز الحل السياسي فيها. ومن أجل فهم الاهتمام الصيني لا بدَّ من العودة السريعة إلى تاريخ العلاقات السورية الصينية التي تتسم بالإيجابية منذ أن تأسست عام ١٩٥٦ وما زالت تتطور بالاتجاه الإيجابي حتى يومنا هذا.
وأشار الدكتور جزان في لقاء مع الثورة إلى أن سورية كانت من أوائل الدول التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية وأقامت علاقات دبلوماسية معها، ودعمت موقفها على المستوى الدولي، وفي مقابل ذلك تدعم الصين الدور السوري في قضايا المنطقة وحقها في استعادة الجولان السوري المحتل والدفاع عن سيادتها وقرارها المستقل. ولا يزال البلدان يعارضان محاولات القوى الغربية التدخل بذرائع مختلفة في الشؤون الداخلية للدول النامية.
ولفت الدكتور جزان إلى التعاون في المجال العسكري بين البلدين والذي بدأ عملياً منذ عام ١٩٨٨، حيث أصبحت الصين شريكاً تجارياً رئيساً لسورية، حيث بلغ إجمالي الصادرات الصينية من المعدات الثقيلة ومعدات الاتصالات والإلكترونيات قبيل الأزمة ٢.٤ مليار دولار. ومع تولي السيد الرئيس بشار الأسد رئاسة الجمهورية، أصبح تطوير شراكات استراتيجية مع الصين أولوية بالنسبة للسياسة الخارجية السورية وتعمقت الاتصالات على أعلى المستويات بين مسؤولي البلدين يوماً بعد يوم.
وقال الدكتور جزان: في كانون الثاني عام ٢٠٠١ زار نائب الرئيس الصيني هو جين تاو دمشق وتم فتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين الصديقين، وبعد ثلاث سنوات زار الرئيس الأسد الصين في حزيران ٢٠٠٤ وأبرم عدداً من اتفاقيات التعاون، حيث انتقلت هذه الاتفاقيات إلى مستوى جديد وأصبحت الاتصالات مستمرة بين الدولتين على المستوى الحكومي والحزبي والعسكري، وتعززت علاقات الصداقة والتعاون على نحوٍ إيجابي ممتاز.
وفي عام ٢٠٠٥ وقع البلدان اتفاقية سياحية وأصبحت سورية وجهة سياحية موصى بها للمواطن الصيني، وفي عام ٢٠٠٦ عقدت بكين ودمشق سلسلة من الفعاليات احتفالاً بمرور نصف قرن على إقامة العلاقات الدبلوماسية، وتم الأخذ بالتجربة الصينية الناجحة في مجال التنمية الاقتصادية. وفي عام ٢٠٠٧ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين ١.٨٧ مليار دولار بزيادة ٣٢.٩% عن عام ٢٠٠٦، وخلال الاجتماع الثالث للجنة الصينية السورية المشتركة الذي عقد في دمشق في حزيران ٢٠٠٧ أعرب الجانبان عن أملهما في أن يصل حجم التجارة بين البلدين إلى ٣ مليار دولار خلال الخمس سنوات المقبلة، فضلاً عن إيلاء المزيد من الاهتمام بالتنمية المتوازنة للتجارة.
ويضيف جزان أن الصين استثمرت بكثافة في صناعة النفط السورية، حيث تمتلك شركة النفط الوطنية الصينية المملوكة للدولة حصصاً في اثنتين من أكبر شركات النفط السورية، فضلاً عن ذلك هناك عقد بمليارات الدولارات لاستكشاف وتطوير حقول النفط، لكن هذا العقد تم تجميده بعد الحرب على سورية عام ٢٠١١.
وعلى الصعيد الدبلوماسي تستمر السفارة الصينية بعملها في العاصمة دمشق، حيث لا تزال الكثير من الصفقات قيد المناقشة، بالإضافة إلى مشاريع إعادة الإعمار، وتنشيط الاقتصاد السوري بمشاركة صينية فاعلة.
وعلى الصعيد السياسي أشار الدكتور جزان إلى أن بكين استخدمت إلى جانب موسكو حق النقض ( الفيتو ) بشأن سورية أربع مرات، حيث تؤيد الصين الأساليب الدبلوماسية في حل الأزمة في سورية، وتعتبر أن الدعم الذي تقدمه روسيا لسورية يزيد من فرص التوصل إلى حل الأزمة وحماية السيادة الوطنية لسورية وسلامة أراضيها.
ويرى جزان أنه وبناءً على هذه المعطيات جميعها تأتي أهمية الزيارة التي يقوم بها السيد الرئيس بشار الأسد والوفد المرافق له إلى الصين، إذ يولي سيادته اهتماماً كبيراً بتوسيع آفاق التعاون التجاري والاقتصادي إلى جانب التعاون السياسي وتجاوز المعوقات التي أفرزها الإرهاب والحرب على سورية، وتفعيل الاتفاقات السابقة ونقلها إلى إطارها العملي وفتح آفاق جديدة للتعاون والاستثمار، حيث كانت الصين قد وعدت في عام ٢٠١٧ سورية باستثمارات بقيمة ٢ مليار دولار تهدف بالدرجة الأولى إلى إقامة تجمعات صناعية.
كما انضمت سورية في كانون الثاني ٢٠٢٢ إلى مبادرة ( الحزام والطريق ) الصينية خلال التوقيع على مذكرة تفاهم. ومن جانبها تعي الصين أن سورية تواصل الحفاظ على الآفاق الاقتصادية، وخاصة في تلك القطاعات التي عملت فيها الشركات الصينية كالنفط والغاز والبتروكيماويات.
وخلص جزان إلى أن زيارة السيد الرئيس بشار الأسد والوفد المرافق له إلى الصين واللقاءات الثنائية الموسعة التي سيعقدها على هامش الزيارة سينتج عنها مبادرات سياسية واقتصادية مهمة تهدف إلى تطوير الشراكة بين البلدين الصديقين وستبني شراكة استراتيجية كبرى وستساهم بتأسيس عالم متوازن ومستقر وآمن.