بالقرب من منطقة الحجاز وأمام مبنى البريد انهار رجل أرضاً وافترش الشارع غائباً عن الوعي المباشر، على مرأى ومسمع كل من في الشارع، حيث شاهدته خلال مروري وكيف انهار وساعده المارة وكنت معهم والبداية كانت من الإسعاف وهنا تبدأ القصة الحقيقية.
بالاتصال على رقم 110 يجيب صوت محايد يسأل عما هنالك، وبعد الاستفسار يعلن وبوقار انه غير قادر على توجيه أي سيارة إسعاف إلى المكان المطلوب لإسعاف الرجل والعلة أن لا بدّ من تواجد شرطي في المكان، وعلة هذه العلة الأخرى أن أي طارئ قد يطرأ على وضع هذا الرجل سيكون المسعفون قيد المساءلة ويتحملون المسؤولية عنه وعن كلّ ما اعترى صحته، وفق ما قال الموظف حرفياً!
كيف نسمع عن إسعاف يتحمل خلاله المُسعَف مسؤولية على اعتبار الصفة الوظيفية وحدها كفيلة بحمايته، وهو أساساً وجد في هذه الوظيفة بغرض إسعاف من يقوده حظه العاثر إلى التراجع صحياً في الطريق، وبغير ذلك، فلا بدّ للشرطي من شهود معه في كل حالة تلبّس يشاهد فيها مخالف للقانون فلا يتمكن من القبض عليه إلا بشهود، وكذلك حال شرطي المرور الذي لن يتمكن من مخالفة سيارة إلا بإحضار شهود يشهدون على تجاوز الإشارة ومن ثم تحرير المخالفة.
هي ناحية ليست بالهينة إذا كانت متبعة في التعامل مع الحالات الإسعافية، إذ لا بدّ من إيجاد حل سريع ومباشر لها، وإن كان الواقع كما قال الموظف، فالعجيب هو السير على هذه القاعدة دون الاتفاق بين الصحة والداخلية على آلية تضمن ألا يتحمل المسعفون أي مسؤولية عمن أسعفوه.
بالمقابل هناك حالة إيجابية وفريدة من نوعها ونموذجاً يحتذى شكّلهما الإسعاف العسكري على مدى سنوات عشر من الحرب على البلاد وما اعتراها من إصابات بين المدنيين كما العسكريين، حيث كانت الحياة هي الأهم وإسعاف المصاب أو المريض مدنيا كان أم عسكرياً هو الهدف وليس التوقف عند الإجراءات والبروتوكولات الإدارية المتبعة، ولعل الاستفادة من تجربته في فترة قفز فيها معدل عمل الإسعاف العسكري الى ما يفوق عشر أمثال الحال الطبيعي – وربما أكثر- لعل الاستفادة منه ضرورة في تطوير عمل منظومة الإسعاف لتمكينها من الهدف الذي أنشأت من أجله.. إن كان ما ساقه الموظف حقيقي.