بقدر ما تبدو تجارب التشكيليات السوريات نتيجة للموهبة الذاتية، وتراكم الخبرة الشخصية، فإنها تبدو في الوقت ذاته كاستمرار لحضور أنثوي لافت ومهم وأصيل في المشهد التشكيلي السوري بفضل كفاءته الإبداعية، لا بصفته ممثلاً لفن أنثوي كما يجري الحديث أحياناً، مع ما يتضمنه هذا الفصل ضمناً (بين فن الرجال وفن النساء) من إشارة خفية إلى مستوى إبداعي أقل أهمية، تنفيه السوية العالية لإبداعات التشكيليات السوريات، وحضورهن القوي في الساحة التشكيلية رقم قلة عددهن بالقياس إلى عدد الفنانين الذكور.
يظهر استعراض سريع لتاريخ الفن التشكيلي السوري حضور التشكيليات منذ بدايات تنظيم المعرض السنوي عام 1950، وحتى يومنا هذا، مع أن النتاج الإبداعي لبعضهن يصعب الإطلاع عليه في ظل تأخر إقامة متحف للفن الحديث يحفظ ويعرض ما صنعه التشكيليون السوريون منذ بدء عملية الاقتناء الرسمي للأعمال التشكيلية، والتي قامت بها جهات عدة قبل تأسيس وزارة الثقافة مثل وزارة المعارف (التربية) ومديرية الآثار والمتاحف، وحتى بعض الجهات الاقتصادية مثل مؤسسة حصر التبغ، وفيما استمرت المديرية العامة للآثار والمتاحف ببعض عمليات الاقتناء الفني منذ الستينات، فإن وزارة الثقافة قد شهدت منذ تأسيسها في زمن الوحدة حركة اقتناء هائلة على مدى أكثر من نصف قرن كان لها أثرها الهام في الحياة التشكيلية السورية، وفي حفظ عدد كبير من الأعمال الفنية التي توثق وتؤرخ للفن التشكيلي السوري، وهذا حديث آخر..
نعود للمعرض السنوي فنجد اسم مسرة الإدلبي في المعرض الأول المقام عام 1950 ومنور مورلي ودلال حديدي في عدة معارض بدءاً من العام التالي، وعائدة عطار عام 1953، وإقبال قارصلي وإنعام عطار عام 1954، وماي سابا عام 1955، ولمياء باكير وهالة قوتلي ومنى اسطواني عام1956، وكارمن ماهر وعائدة سلوم عام 1957، وعفاف مبارك وبهية شورى ودرية حماد عام1959.
ومنذ الستينات وحتى يومنا هذا برزت على ساحة الإبداع التشكيلي أسماء ذات هوية متفردة مثل الرسامات أمثال: ليلى نصير وهند زلفا وأسماء فيومي ولجينة الأصيل وهالة مهايني وشلبية إبراهيم وسوسن جلال وهالة الفيصل وسوسن الزعبي ونوار ناصر وريما سلمون وسارة شما وريما حمزة ورولا قوتلي وماسة أبو جيب، والخزافات: ضحى القدسي وأميلي فرح وآمال مريود، والنحاتات: عفاف رحمة وصفاء الست، وغيرهن من الأسماء التي يمكن أن يكون بعضها غاب عن الذاكرة رغم أهميتها، ويمكن لبعضها الآخر أن يكون قد توقف باكراً عن الإبداع التشكيلي، إلا أنها في مجملها تؤكد قوة الحضور الأنثوي في المشهد التشكيلي السوري، وإنعدام إمكانية التمييز لجهة السوية الإبداعية بينه وبين ما أنجزه الفنانون الرجال.. ويضاف إلى من سبق الفنانات الأجنبيات المتزوجات من سوريين واللاتي كان لهن حضور هام في المعارض السورية وتتقدمهن اليونورا شطي التي شاركت في المعرض السنوي أعوام لأربع دورات ونالت الجائزة الثانية في معرض 1954، وفيما بعد غريتا علواني ويلينا خليل والكا إبراهيم وفلادا ميليك.
وإلى وقوف المرأة أمام اللوحة كفنانة مبدعة، فإنها لم تغب عن موضوع اللوحة فصورت ذاتها فيها كما صورها التشكيليون الرجال كقيمة جمالية دائمة، أو كرمز للأرض – الوطن كما كرست في لوحات فاتح المدرس، على سبيل المثال.