الثورة – هفاف ميهوب:
من يقرأ نثريات الشّاعر والمفكّر البرتغالي “فيرناندو بيسوا”، وتحديداً في كتابه “اللاطمأنينة”، يلاحظ مقدار نفوره وابتعاده، عن كلّ المصطلحات التي لا تتعلّق بشخصية واحدة، يتمّ الحديث عنها.. يلاحظ أيضاً، بأن أغلب أحاديثه عن شخصيّته، وعن أناه التي يعرّفها بطريقةٍ، وإن حملت قلقه وعمق تشاؤمه، إلا أنها حملت أكثر، عمق رؤاه الشاعريّة، الباحثة عن طمأنينته:
“أنا هذيانٌ حيّ، مكتوب لكلّ ما أردت أن أكونه.. أنا هوامش مدينة ليس لها وجود.. أنا التعليق المُسهب على كتابٍ لم يكتب.. أنا لا أحد”..
إنها رؤاه الفلسفية، ولا تعني بأن جميع رجال الفكر والإبداع، يتشابهون في رؤاهم لأناهم، رغم أنهم يتشابهون في قلقهم وزهدهم وتشاؤمهم، والسوداويّة التي تهيمن على حياتهم وأعمالهم.. السوداوية التي انعكست بشكلٍ كبير على أعمال الفيلسوف الروماني “إميل سيوران”، والتي أكثر ما اتّضحت في وصفه الساخر من كونه إنسان:
“لا أرى نفسي إلا وأنا أقتلُ في داخلي، كلّ اعتدادٍ بأنّي إنسان، أتسكّع على أطرافِ النوع البشري، مثل وحشٍ نفور، ولا أملكُ حتى القدرة على أداء الانتماء، إلى قطيعٍ آخر من القردة”..
تختلف رؤية الفيلسوف الألماني “شوبنهاور” لذاته عن رؤية من ذكرناهما، فهو ورغم كونه من أكثر الفلاسفة تشاؤماً وكآبةً وارتياباً، إلا أنه يشعر بتفرّده في رؤاه وتصوراته، ويعتبر نفسه إنسان عظيم، وهو رغم تصريحاته بأن الانفرادية “فلسفة مجانين”، إلا أنه ينفرد بمثاليته الذاتية قائلاً:
“أنا موجود لوحدي، وليس العالم كلّه إلا تصوراتي”.
تختلف أيضاً رؤية “نيتشه”. الفيلسوف الألماني الغاضب والمتمرّد، والمعروف بأنه من أكثر الفلاسفة امتداحاً واعتداداً بنفسه، ونقداً وذمّاً للآخرين، وخصوصاً فلاسفة عصره، ممن هاجمهم ورفضهم، بل وخاطبهم:
“ذات يوم، سيقترن اسمي بذكرى شيءٍ هائل رهيب، بأزمةٍ لم يُعرف لها مثيل على وجه الأرض، أعمق رجّه في الوعي، فأنا لستُ إنساناً، بل عبوة ديناميت”..
نعم.. من المعروف بأن “نيتشه” هو الفيلسوف الأكثر تقديساً لذاته، والأكثر مقتاً ونفوراً وتدميراً لكلّ ما يحيط به.. الأكثر شعوراً بأنه “سابق لعصره”، بل ومرشداً يرى بأن مهمّته:
“أريدُ أن أعلِّم الناس معنى وجودهم، ليدركوا أنَ الإنسان المتفوق، إنّما هو البرق السّاطع من الغيوم السوداء”.
