حين يقلّب تشرين رزنامة الأيام يقف التاريخ احتراماً لمجد السادس من هذا الشهر الذي غير معادلات المنطقة بأكملها منذ خمسين عاماً، فغدا تفوق جنود الاحتلال الصهيوني وسلاحه خرافة سياسية زجت كل مشعوذي الصهيونية في ملاجىء الخوف والذعر منذ حرب تشرين التحريرية وحتى هذه اللحظات، رغم كل المكائد والتعويذات التي استمرت لمحو وتبديد ملحمة البطولة السورية والمصرية والتضامن العربي معها، ولكنها إسرائيل.. حتى الآن تعيش هاجس ما تسميه (حرب الغفران) التي كسرت رأس الكيان الصهيوني.
في السادس من تشرين التحرير تهطل الذكرى على مساحة الإنجازات، فكل يوم منذ ١٢عاماً هو حرب تدور في فلك ذكرى التحرير حين ينتصر الجندي العربي السوري على إسرائيل في كل شبر يحرره من الإرهاب، وتنتصر إرادة دمشق وسياساتها على محاولات العدو الصهيوني ومن ورائه أميركا بعزلنا وتجويعنا وسرقة نفطنا وقمحنا.
اليوم تمر ذكرى تشرين التحريرية فتنصهر البطولة بالبطولات ويأتينا صدى بندقية التحرير في الجولان والقنيطرة من بين معارك أصوات دحر الإرهاب على امتداد الأرض السورية، ويلمع مجدداً وسام النصر السياسي لدمشق ليس فقط في المنطقة العربية بل يتوهج حتى الصين ويبشر بالتعددية القطبية.
تمر ذكرى حرب تشرين اليوم ويضاف إلى سجل البطولات إنجاز آخر حين استطاع السوريون بصمودهم أن يعيدوا مجدداً تصويب الفكر العربي باتجاه التضامن ولو بدا في أضعف أشكاله لكنه على الأقل بدأ يحسب خيباته وخساراته ويعيد النظر بالسير وراء السياسة الأميركية ويفكر بالدخول إلى عالم التعددية القطبية من بوابة الاعتدال في الشراكات ما بين الصين وروسيا والغرب بقيادة أميركا، لتدخل إسرائيل في حالة هستيرية وتترجى التطبيع من بوابة التنازلات والشروط وهي التي ظنت يوماً أنها قادرة على تفتيت المنطقة وتخريبها من بوابة التصويب على سورية قلب العروبة النابض.
دمشق غيَّرت المعادلات مرة أخرى وأعادت لذكرى تحرير تشرين وههجها في ذهن المواطن العربي حين كسرت الإرهاب وكشفت من قبله زيف ما يسمى الربيع العربي وبدّلت على أرضها معادلات دولية كاملة أسقطت من خلالها أسطورة القطب الأميركي الواحد ليبزغ فجر التعددية من الأرض السورية هنا حيث سورية والشريك الصيني والروسي والإيراني في مواجهة مباشرة مع أميركا وفي كباش عسكري واقتصادي وسياسي يبشر العالم بانتهاء حقبة الإمبريالية المتوحشة والقطب المهيمن الواحد.
كما أسقط الجندي العربي السوري أسطورة الجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر كذلك اليوم يسقط السوريون من أرضهم أسطورة القطب الأوحد وإمبريالية واشنطن المهيمنة ويبشرون بالسير مجدداً على طريق الحرير ودخول العالم إلى التعددية القطبية والشراكة على أساس المصالح واحترام الثقافة، ثقافة الآخر وليس هيمنته.