الثورة – عزة شتيوي:
بماذا يفكر رئيس كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو وعملية طوفان الأقصى تغرق جوانب كيانه المحتل السياسية والاستخباراتية وأسطورته العسكرية مجددا.. ربما يفكر بالانتحار كما فكرت من قبله غولدا مائير وهو ما اعترفت به لصحيفة هآرتس منذ خمسين عاما بعد حرب تشرين التحريرية، واليوم من يوثق حالة نتنياهو وهو يخرج لوسائل الإعلام لينعي مجددا الكيان الذي لا يقهر، والذي استطاعت المقاومة الفلسطينية في غزة المحاصرة، حصاره وجره للأسر مكبلا بخسارات فاقت توقع الصديق قبل العدو.
مفاجأة الساعات الأولى من السابع من تشرين أحيت ذكرى حرب تشرين التحريرية لتحتفل بها المقاومة الفلسطينية في غزة موجهة آلاف الصواريخ من الجو والبحر إلى داخل الأراضي المحتلة في فلسطين مصدعة المستوطنات وخالعة أبوابها بأقدام رجال المقاومة الذين دخلوا برا محررين أجزاء من أرضهم، وآسرين جنود الاحتلال والمستوطنين من داخل نقاطهم وسرطان استيطانهم في أكبر عملية استحقت اسمها يوم يطوف زيت الأقصى المقدس، وتشتعل قناديله المقاومة بأقصى درجاته، لتنير درب المقاوم وتسدد خطاه، محدثة تحولا نوعيا في أسلوب المقاومة الفلسطينية التي نقلت المواجهة والمعركة من داخل غزة إلى الأراضي الفلسطينية والمحتلة، وقصفت ما تسمى (تل ابيب) بمئات الصواريخ حتى باتت تصريحات زعماء الصهاينة تخرج من الملاجئ بصوت الخوف والذعر.
طوفان الأقصى ليست أول العمليات ولن تكون آخرها حتى تحقيق النصر واستعادة الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة، وتحقيق السلام العادل والشامل، لكن هذه العملية تبدو درة عمليات المقاومة الفلسطينية، لما ظهر فيها من تكتيك عال وخبرة عسكرية وقدرات فاقت كل التوقعات ومرغت انف المحتل استخباراتيا وعسكريا يوم أظهرت هذه الفصائل المقاومة قدرة على القيام بهذه العملية الكبيرة وقلب ميزان القوى، وإظهار “إسرائيل” على أنها اوهن من بيت العنكبوت مجددا.
اللافت في العملية هو عنصر المفاجأة الذي أظهر تفوقا كبيرا على إمكانيات كيان الاحتلال في توقعه أو حتى التقاط إشارات بدء عملية طوفان الأقصى، أو التحضير لها، بل إنه مرغ السمعة الاستخباراتية لإسرائيل وهي الكيان القائم أساسا على الاستخبارات والاختراقات والتجسس ما شكل صدمة حقيقية لدى القادة والمستوطنين الصهاينة بفشل حكومة احتلالهم أمنيا واستخباراتيا، الأمر الذي سينعكس سلبا على الجبهة الداخلية لكيان الاحتلال والمتضعضعة أساسا.
غزة التي طالما تباهى نتنياهو بأسرها وحصارها وتهديد أهلها بقتلهم جوعا إذا لم يتخلوا عن المقاومة فيها، فاجأت نتنياهو بأسره داخل فشله، وإن الأيادي فيها تضغط على زناد المقاومة في لحظة واحدة وتطلق رصاصها ليطارده حتى لو كان في أحضان أميركا التي خرج رئيسها جو بايدن يهدد ويتوعد، وهو الخائف على إنجازات ما سماه اتفاقات “إبراهام التطبيعية” من تأثيرات هذه العملية، فأعلن انحيازه بشكل كامل إلى جانب نتنياهو المهزوم والمأزوم حاليا في خلق معادلة للرد لا يقوى على تنفيذها، فعملية طوفان الأقصى محكمة لدرجة أنها أسرت أكبر عدد من الرهائن الإسرائيليين في تاريخ عمليات المقاومة الفلسطينية، وقد تفكر حكومة الاحتلال ألف مرة قبل أن تأخذ خطوة انتقامية في شن حرب شاملة وكبيرة على قطاع غزة.
لقد حاولت “إسرائيل” منذ فرض حصارها على غزة قبل أكثر من عشر سنوات إضعاف قدرة الفصائل الفلسطينية المقاومة في غزة وإخراجها من معادلات المقاومة ككل، والضغط عليها وعلى الحاضنة الشعبية حولها بكل أساليب القهر والحرمان، ولكنها بقيت شوكة مقاومة تقلع عيني المحتل بكل عملياتها إلى أن جاءت عملية طوفان الأقصى لتكتشف “إسرائيل” غرقها بالفشل بكل الجوانب وتصدم كل ما سعت إليه بدءا من خنق المقاومة في غزة وممارسة العنجهية والاستفزاز في القدس والضفة الغربية، وصولا إلى محاولات وأد القضية الفلسطينية وتمرير التطبيع، كل ذلك غرق مع أحلام نتنياهو في عملية طوفان الأقصى الذي أغرق سياسته ولن ينفعه بعد اليوم أي إسعاف سياسي حتى لو نفخ بايدن في فم نتنياهو شخصياً.