لم تكن معاناتهم خلال السنوات الطويلة من الاحتلال لتعبر عبور الكرام، فالمجازر والوحشية التي مورست بحق شعب فلسطين، لم يعاينها أي شعب في العالم، والقهر الذي تعرضوا له كان قاسياً حد مرارة الموت، ولكن إرادة الشعب الفلسطيني لم تهادن يوماً، وعزيمتهم لم تستكن رغم قسوة المواجهة ورغم الظلم الذي تنوع في أشكاله من تهجير وقتل وتدمير للبنى التحتية.
ولكن الشعب الحي لن يرضى بالهزيمة يوماً، ففي كل يوم حكاية بطولة، وكل يوم تضيف قائمة الشهداء إلى جعبتها عدد جديد” شيوخ ونساء وأطفال وشباب” كلّهم مجندون من أجل الوطن وجميعهم مشاريع شهداء غير وجلين ولا خائفين، لأنهم يؤمنون بأن النصر قادم لا محالة، والعدو إلى زوال.
واليوم يعبرون عن انتفاضة من نوع جديد عبر” طوفان الأقصى” الذي أذهل العالم ببطولة ذاك الشعب وشجاعته، وأنه شعب لا يهاب الموت عندما يكون الرهان على أرضه وحريته واستقلاله من نير المحتل الذي لم يبرح فرصة لاقتناص حياته إلا وتفنن في ممارستها.
اليوم هم يصنعون الحدث على مرأى من العالم جميعه، وتصوّب الأعين والقلوب نحوهم تلهج بالدعاء لهم بالنصر، فما قاموا به من عملية نوعية أظهرت للعدو أولاً وللعالم أن لا شيء يقف في وجه من كان صاحب الحق وانتهكت أرضه، والمقاومة حق مشروع لكل شعب يريد أن يحقق حريته، وهي الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق المغتصبة ولو كره أولئك المفسدون في الأرض.
وهم بانتفاضتهم العادلة وانتهاجهم المقاومة طريقاً لهم، يسقون العدو من نفس الكأس الذي لطالما كان يسكب من خلاله جام حقده وجبروته ليتجرعه الشعب الفلسطيني في أرضه وعلى ثرى ترابه المقدس، فهم ليسوا دعاة حرب، وإنما يذودون عن أنفسهم الظلم والقهر والاحتلال الغاصب.
وعلى لسان بطل رواية “زمن الخيول البيضاء” نردد معه” أنا لا أقاتل كي أنتصر، بل كي لا يضيع حقي” ولن يضيع حق الشعب الفلسطيني مادام في عروقهم نبض للحياة.