نبض الشعر يقاوم

الملحق الثقافي:              

لن أبكي
فدوى طوقان – فلسطين

[إلى شعراء المقاومة في الأرض المحتلة منذ عشرين عامًا.. هدية لقاء في حيفا

على أبواب يافا يا أحبائي
وفي فوضى حطام الدورْ
بين الردمِ والشوكِ
وقفتُ وقلتُ للعينين: يا عينين
قفا نبكِ
على أطلالِ من رحلوا وفاتوها
تنادي من بناها الدارْ
وتنعي من بناها الدارْ
وأنَّ القلبُ منسحقًا
وقال القلب: ما فعلتْ?
بكِ الأيام يا دارُ ؟
وأين القاطنون هنا
وهل جاءتك بعد النأي, هل
جاءتك أخبارُ ؟
هنا كانوا
هنا حلموا
هنا رسموا
مشاريع الغدِ الآتي
فأين الحلم والآتي وأين همو
وأين همو ؟
ولم ينطق حطام الدارْ
ولم ينطق هناك سوى غيابهمو
وصمتِ الصَّمتِ, والهجرانْ
***
وكان هناك جمعُ البوم والأشباحْ
غريب الوجه واليد واللسان وكان
يحوّم في حواشيها
يمدُّ أصوله فيها
وكان الآمر الناهي
وكان.. وكانْ..
وغصَّ القلب بالأحزانْ
***
أحبائي
مسحتُ عن الجفون ضبابة الدمعِ
الرماديهْ
لألقاكم وفي عينيَّ نور الحب والإيمانْ
بكم, بالأرض, بالإنسانْ
فوا خجلي لو أني جئت ألقاكم –
وجفني راعشٌ مبلولْ
وقلبي يائسٌ مخذولْ
وها أنا يا أحبائي هنا معكمْ
لأقبس منكمو جمرهْ
لآخذ يا مصابيح الدجى من –
زيتكم قطرهْ
لمصباحي;
وها أنا يا أحبائي
إلى يدكم أمد يدي
وعند رؤوسكم ألقي هنا رأسي
وأرفع جبهتي معكم إلى الشمسِ
وها أنتم كصخر جبالنا قوَّهْ
كزهر بلادنا الحلوهْ
فكيف الجرح يسحقني?
وكيف اليأس يسحقني?
وكيف أمامكم أبكي ؟
يمينًا, بعد هذا اليوم لن أبكي!
***
أحبائي حصان الشعب جاوزَ –
كبوة الأمسِ
وهبَّ الشهمُ منتفضًا وراء النهرْ
أصيخوا, ها حصان الشعبِ –
يصهلُ واثق النّهمهْ
ويفلت من حصار النحس والعتمهْ
ويعدو نحو مرفئه على الشمسِ
وتلك مواكب الفرسان ملتمّهْ
تباركه وتفديه
ومن ذوب العقيق ومنْ
دمِ المرجان تسقيهِ
ومن أشلائها علفًا
وفير الفيض تعطيهِ
وتهتف بالحصان الحرّ: عدوًا يا –
حصان الشعبْ
فأنت الرمز والبيرقْ
ونحن وراءك الفيلقْ
ولن يرتدَّ فينا المدُّ والغليان –
والغضبُ
ولن ينداح في الميدان
فوق جباهنا التعبُ
ولن نرتاح, لن نرتاحَ
حتى نطرد الأشباحَ
والغربان والظلمهْ
***
أحبائي مصابيحَ الدجى, يا إخوتي في الجرحْ…
ويا سرَّ الخميرة يا بذار القمحْ
يموت هنا ليعطينا
ويعطينا
ويعطينا
على طُرُقاتكم أمضي
وها أنا بين أعينكم
ألملمها وأمسحها دموع الأمس ْ
وأزرع مثلكم قدميَّ في وطني
وفي أرضي
وأزرع مثلكم عينيَّ
في درب السّنى والشمسْ

هنا باقون
توفيق زياد

كأننا عشرون مستحيل
في اللد والرملة والجليل
هنا على صدوركم باقون كالجدار
وفي حلوقكم
كقطعة الزجاج كالصبار
وفي عيونكم
زوبعة من نار
هنا على صدوركم باقون كالجدار
نجوع؛ نعرى؛ نتحدى
ننشد الأشعار
ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات
ونملأ السجون كبرياء
ونصنع الأطفال جيلا ثائرا وراء جيل
كأننا عشرون مستحيل
في اللد والرملة والجليل
إنا هنا باقون
فلتشربوا البحرا
نحرس ظل التين والزيتون
ونزرع الأفكار كالخمير في العجين
برودة الجليد في أعصابنا
وفي قلوبنا جهنم حمرا
إذا عطشنا نعصر الصخرا
ونأكل التراب إن جعنا .. ولا نرحل
وبالدم الزكي لا نبخل؛ لا نبخل؛ لا نبخل
هنا لنا ماض وحاضر ومستقبل
كأننا عشرون مستحيل
في اللد والرملة والجليل
يا جذرنا الحي تشبث
واضربي في القاع يا أصول
أفضل أن يراجع المضطهد الحساب
من قبل أن ينفتل الدولاب
لكل فعل رد فعل: إقرأوا
ما جاء في الكتاب

سجل، أنا عربي
محمود درويش

محمود درويشسجّل، أنا عربي
ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ
وأطفالي ثمانية
وتاسعهُم سيأتي بعدَ صيفْ
فهلْ تغضبْ؟
سجّلْ
أنا عربي
وأعملُ مع رفاقِ الكدحِ في محجرْ
وأطفالي ثمانيةٌ
أسلُّ لهمْ رغيفَ الخبزِ،
والأثوابَ والدفترْ
من الصخرِ
ولا أتوسَّلُ الصدقاتِ من بابِكْ
ولا أصغرْ
أمامَ بلاطِ أعتابكْ
فهل تغضب؟
سجل
أنا عربي
أنا اسم بلا لقبِ
صبورٌ في بلادٍ كلُّ ما فيها
يعيشُ بفورةِ الغضبِ
جذوري
قبلَ ميلادِ الزمانِ رستْ
وقبلَ تفتّحِ الحقبِ
وقبلَ السّروِ والزيتونِ
وقبلَ ترعرعِ العشبِ
أبي من أسرةِ المحراثِ
لا من سادةٍ نجبِ
وجدّي كانَ فلاحاً
بلا حسبٍ ولا نسبِ
يعلّمني شموخَ الشمسِ قبلَ قراءةِ الكتبِ
وبيتي كوخُ ناطورٍ
منَ الأعوادِ والقصبِ
فهل ترضيكَ منزلتي؟
أنا اسم بلا لقبِ
سجل
أنا عربي
ولونُ الشعر فحميٌّ
ولونُ العينِ بنيٌّ
وميزاتي:
على رأسي عقالٌ فوقَ كوفيّه
وكفّي صلبةٌ كالصخرِ
تخمشُ من يلامسَها
وعنواني:
أنا من قريةٍ عزلاءَ منسيّهْ
شوارعُها بلا أسماء
وكلُّ رجالها في الحقلِ والمحجرْ
فهل تغضبْ؟
سجِّل
أنا عربي
سلبتَ كرومَ أجدادي
وأرضاً كنتُ أفلحُها
أنا وجميعُ أولادي
ولم تتركْ لنا ولكلِّ أحفادي
سوى هذي الصخورِ
فهل ستأخذُها
حكومتكمْ كما قيلا؟
إذن
سجّل برأسِ الصفحةِ الأولى
أنا لا أكرهُ الناسَ
ولا أسطو على أحدٍ
ولكنّي إذا ما جعتُ
آكلُ لحمَ مغتصبي
حذارِ، حذارِ من جوعي
ومن غضبي

خطاب في سوق البطالة (يا عدو الشمس)
سميح القاسم
ربما أفقد -ما شئت- معاشي
ربما أعرض للبيع ثيابي وفراشي
ربما أعمل حجاراً، وعتالاً، وكناس شوارع
ربما أبحث، في روث المواشي، عن حبوب
ربما أخمد عريانا، وجائع
يا عدو الشمس لكن لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم
ربما تسلبني آخر شبر من ترابي
ربما تطعم للسجن شبابي
ربما تسطو على ميراث جدي
من أثاث وأوان وخواب
ربما تحرق أشعاري وكتبي
ربما تطعم لحمي للكلاب
ربما تبقى على قريتنا كابوس رعب
يا عدو الشمس لكن لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم
ربما تطفئ في ليلي شعلة
ربما أحرم من أمي قبلة
ربما يشتم شعبي، وأبي، طفل، وطفلة
ربما تغنم من ناطور أحلامي غفلة
ربما زيف تاريخي جبان، وخرافي مؤله
ربما تحرم أطفالي يوم العيد بدله
ربما تخدع أصحابي بوجه مستعار
ربما ترفع من حولي جداراً وجداراً وجدار
ربما تصلب أيامي على رؤيا مذلة
يا عدو الشمس لكن لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم
يا عدو الشمس
في الميناء زينات، وتلويح بشائر
وزغاريد، وبهجة
وهتافات، وضجة
والأناشيد الحماسية وهج في الحناجر
وعلى الأفق شراع
يتحدى الريح واللّجّ ويجتاز المخاطر
إنها عودة يوليسيّز من بحر الضياع
عودة الشمس، وإنساني المهاجر
ولعينيها، وعينيه: يميناً، لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي
سأقاوم
سأقاوم
سأقاوم

        

العدد 1163 –  17-10-2023

آخر الأخبار
انطلاق سوق "رمضان الخير" في دمشق لتوفير المنتجات بأسعار مخفضة المعتقل صفراوي عالج جراح رفاقه في سجن صيدنايا وأنقذ الكثيرين "حركة بلا بركة" تفقد واقع عمل مديريات "التجارة الداخلية" في اللاذقية خسارة ثالثة على التوالي لميلان تكثيف الرقابة التموينية بطرطوس.. ومعارض بأسعار مخفضة برشلونة يستعيد صدارة الليغا باحث اقتصادي لـ"الثورة": لا نملك صناعة حقيقية وأولوية النهوض للتكنولوجيا شغل (الحرامات).. مبادرة لمجموعة (سما) تحويل المخلفات إلى ذهب زراعي.. الزراعة العضوية مبادرة فردية ناجحة دين ودنيا.. الشيخ العباس لـ"الثورة": الكفالة حسب حاجة المكفول الخصخصة إلى أين؟ محلل اقتصادي لـ"الثورة": مرتبطة بشكل الاقتصاد القادم المخرج نبيل المالح يُخربش بأعماله على جدران الحياة "الابن السيئ" فيلم وثائقي جسّد حكاية وطن استبيح لعقود دورة النصر السلوية.. ناشئو الأهلي أولاً والناشئات للنهائي كرة اليد بين أخطاء الماضي والانطلاقة المستقبلية سلتنا تحافظ على تصنيفها دولياً الأخضر السعودي يخسر كأس آسيا للشباب دوبلانتيس يُحطّم رقمه القياس رعاية طبية وعمليات جراحية مجاناً.. "الصحة" تطلق حملة "أم الشهيد"