الثورة – لميس علي
يحدث أن نكون مقروئين لأحدهم أكثر مما نستطيع قراءة أنفسنا بوضوحٍ وثقة.
وأيضاً من مفارقات الحياة.. أننا لربما استطعنا حلّ أُحجيات كثيرة ما عدا أحجية حياتنا.. لأننا ببساطة لا نفكر فيها كأحجية وإنما كشيء وجب عيشه وكفى.
من الأشياء الفارقة كذلك.. أن مصادفات العيش تمنحك من يستطيع فهمك بيسرٍ وسهولة، حتى لو لم يكن مضى على معرفتك به سوى القليل، يفهمك أكثر بكثير ممن أمضيتَ معه معظم سنوات عمرك.
بسلاسة يطرح فيلم (أحجية،Puzzle) إنتاج 2018، إخراج “مارك توتيلتوب”، هذه الأفكار.. ولهذا يمكن اعتبار الدراما الحاصلة ضمنه أنها دراما حوار وأفكار أكثر مما هي دراما “حدث”.. مع أنه قائم على حدث/مصادفة تجعل بطلة الفيلم (أغينس، كيلي ماكدونالد) تتعرف بالبطل (روبرت، عرفان خان).
ثمة نقاط مشتركة بينهما.. فعدا أنهما مهاجران من أصول غير أميركية، يتشاركان العيش في الولايات المتحدة الأميركية، ويجمعهما شغف تجميع قطع (البازل).
وثمة اختلافات كثيرة بينهما.. لكن لا تهم لطالما وجدا مشتركاً جمعهما لربما تطوّر إلى شيء آخر من دون قصد.
أجمل ما في الفيلم أن حالة من الترميز تسود في مفاصل الحكاية.. وكأن الأحجية التي يجتمعان في تركيبها كل مرّة وصولاً إلى موعد المسابقة الوطنية “للبازل” ليست سوى تجميع لقطع حياة كل منهما لا شعورياً وعن غير قصد.
روبرت يفهم أغنيس ويقرأ شخصيتها وفق طريقة منحتها على ما يبدو ما كان ينقصها.. وحضورها في حياته منحه بدوره ما كان يتوق إليه ولو لبعض الوقت.
في طريقهما لحلّ “البازل” وإكمال لوحة ناقصة بقطعها المشتتة، وجدا الحبّ.. كيف ذلك؟
تسأله أغنيس: قل لي إنك لست رجلاً ثرياً يشعر بالملل، وأنني لست ربة منزل سخيفة؟
لتعود تسأله عن المغزى من تضييعه وقته في هذه اللعبة، بينما هو صاحب أفكار، فسبق أن سجل اختراعاً باسمه.. وفي أثناء جوابه يختصر فلسفته عن الحياة التي يراها عشوائية.. فإكمال قطع الأحجية ليس أكثر من وسيلة للسيطرة على الفوضى التي تملؤها وبالتالي الإحساس بالكمال..
تماماً كما فسّر لها سبب رغبتها بحلّ الأحجية بداية تعارفهما، فكانت، برأيه، طريقتها المثلى للتركيز.
يبدو له أنها صاحبة ميّزات مهمة لكنها تركّز على المهمات الوضيعة حتى تتمكّن من التركيز. بكلماته هذه منحها قطعة “البازل” الأهم الناقصة في حياتها..
فما طريقة كل منا للسيطرة على (الفوضى) الخاصة به؟.
