الثورة – لميس علي:
السؤال الأول الذي يخطر ببالك أثناء متابعة فيلم المخرج النمساوي (ميشيل هانيكي) “ألعاب مسلية”.. يدور حول السبب الذي دفعه لإخراج نسخة ثانية منه ببصمة هوليوودية عام 2007 م، بعد أن كان قدم الأولى عام 1997 م..
ولا فروقات تُذكر ما بين النسختين، سوى طاقم الممثلين.
هل يعود السبب لأهمية الموضوعة التي يدور حولها الفيلم “العنف”..؟
وهو ما يقود إلى سبب اختيار كل من المخرجين السينمائيين (فراس محمد، رامي نضال) لهذا العمل ليكون فيلم العرض ضمن فعالية (بيت السينما، صالة كندي دمشق) أمسية الخميس الماضي.
أيضاً ماذا عن توقيت الاختيار في مثل هذه الظروف التي تمرّ بها بقعتنا الجغرافية من أحداث عنف لا نظير لها..؟
التوقيت بحدّ ذاته يُصعّد من “الاختيار” ليكون حكماً نقدياً أول ليس تجاه الفيلم وحسب، بل تجاه موضوعته التي ستستحوذ على كل انتباهك.. ولفت نظرك.. ورفع مستوى الأدرينالين والتوتر لديك من مجرد مشاهدة بصرية لا أكثر..
وبالتالي تحصيل شيء من تنبيه إلى أن العنف حين يغدو “لعبة أو ألعاباً مسلّية”.. على مستوى دولي، تقع الفاجعة ويصعب حينها إغلاق دائرته التي كلّما اتسعت أهلكت من حولها.
يقدّم “هانيكي” حكايته على اعتبار أن العنف هو مجرد “لعبة” لدى كل من الشابين (بول، مايكل بيت) و(بيتر، برايدي كوربت)، وهو ليس من النوع الظاهري أو الجسدي.. بل نفسي يمارسانه بهدوءٍ وضبط نفس عالٍ.. وكأنهما فعلياً يلعبان لغرض المتعة ولا شيء سواها.. بينما الضحية عائلة (جورج، تيم روث) وزوجته (آن، نعومي واتس) وابنهما (جورجي، ديفون غيرهارت) فسمات الرعب والخوف كفيلة بجعلهم جميعاً يتوجسون من هذه “اللعبة”.. فهم مجرد (مفعول به/وسيلة تسلية) ولا يهم مصيرهم..
ألا يذكر هذا الأمر بألعاب دولية تمارَس ضدنا وبالقرب منا..؟
شيء من هيئة المرضى النفسيين تبدو على اللاعبين (بول، بيتر).. وكأن “هانيكي” تقصّد هذه الإيماءة للإشارة إلى كون من يتخذ العنف وسيلته في الحياة لتحقيق غايته حتى لو كانت تسلية (غير واعية)، فهو شخص مريض بالضرورة.
ويؤكّد “هانيكي” على كون كل حكايته التي قدّمها لنا ضمن فيلمه (ألعاب مسلّية، Funny games) بنسختيه، التي كانت أكثر من مقنعة بتمرير كامل تفاصيل ما يُعرض علينا، أداءً وإخراجاً، وعلى الرغم من اتقان سردها بالمجمل، أنها لم تكن سوى “لعبة”..
نعم مجرد لعبة وذلك حين يمسك “بول” بجهاز (الريموت كونترول) يريد إعادة المشهد أو حذفه من الأصل وهو المشهد الذي تقوم فيه “آن” بأخذ البندقية بطريقة خاطفة وتطلق النار على صديقه “بيتر”.. تقتله فجأة وهي منهكة..
لكن المخرج يقوم بحرف الحكاية عبر أسلوبية “كسر الإيهام” بجعل “بول” يعيد المشهد بمنعه “آن” من أخذ البندقية..
وكأنه يقول لنا: إن ما ترونه ليس سوى لعبٍ.. لكنه لعبٌ مُتقن لدرجة التصديق.. مع أن العنف الذي اشتمل عليه كان حقيقياً ونتائجه ملموسة وفاقعة.
